د. حسن بن فهد الهويمل
(الوقار) مصطلح إسلامي: تعبدي, تعاملي. يمس كل الحيوات, وكل التجمعات. لا تستقيم حياة الأمة حتى يتمثله الأفراد مع أنفسهم, ومع الآخرين. وتتمثله الجماعات, والدول, و(الوقار) يقوم بالذات ولها, ومع الآخر. وتوقير الرجل إكرامه, وتعظيمه, ومعرفة منزلته. والوقار للإنسان هو التلبس بالهيبة, والتسامي, وتقدير المخالط, والمخالف, ومن دون المستوى. إنه علاقة مع الذات, ومع الغير.
والتخلي عن الآخر وطناً كان, أو زعيماً, أو عالماً جزء من عدم التوقير.
لقد جمع التوجيه الرباني بين النصر, والتبجيل, والتعظيم في قوله تعالى:- {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}.
إذاً (الوقار) مبدأ مُلزم, وداخل في العهود, والمواثيق على مستوى الأفراد, والجماعات. ناقص العهد, والوعد ليس موقراً لنفسه, ولا وافياً بالعهد مع الآخر.
ونحن أحوج ما نكون إلى تمثله في ظل هذه الظروف الغرائبية, والتحلي به جزء من (الدبلوماسية).
ومن أبسط إهماله عدم الاحتفاء بالقادم, وعدم التبسط معه, وإن لم يكن استخفافاً به, ولكنه انشغالٌ عنه بهذه التقنية الدقيقة التي سرقت الوقت, والجهد, والوعي, والمروءة. وحولت الإنسان إلى آلة مسخَّرة, لا مشاعر لديها.
لقد سمعت تذمراً كثيراً من فئات مجتمعية مختلفة المستويات التعليمية, والاجتماعية, وبخاصة من يتابع مواقع التواصل الاجتماعي.
فالمتابع قد يواجَه بكلام مسف, وتنابز بالألقاب مشين, وتفاوت في المستويات الأخلاقية. بل قد يواجه بمفتريات على أناس أبرياء.
حامل الأمانة المكلف يعرف أن الإسلام رسالة أخلاقية, وليس غريباً تركيزه على الوقار, والترغيب فيه.
وقد خص الله عباده بالمشي هوناً, والكف عن مجادلة الجاهل, وهذا من باب التوقير للذات, وتجنب قوادح المروءة:- {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا}. و{وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا}. و{وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ}. كل هذه المصطلحات الأخلاقية جزء من المصطلح الكلي (الوقار).
(ولَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيم يَسُبُّنِي
فَمَضَيْتَ ثَمَّةَ قُلْتُ لا يَعْنِينِي)
فالجاهل, واللئيم يستدرجان العاقل بسفاهتهما حتى يقع في قوادح المروءة, ومن ثم يفقد الوقار, ويجاري بسيئ الأخلاق.
والمشي الهون هو المتمثل بالسكينة, أي ليس هناك استكبار, ولا أشر, ولا بطر.
وما قيل عن مشي الرسول صلى الله عليه وسلم من أنه:- (إذا مشى كأنما ينحط من صبب). يعني أن الأشر, والبطر لا يتعلق بشكل المشي, وحق المسلم أن يكون واثق الخطو, واضطرار الكافر لأضيق الطريق لا يعني تعمد إهانته, ولا الضرر به, ولكن يعني توقير الذات من الذل, والهامشية, ومثل ذلك يرتبط بالأخلاق, والمضمرات الأخلاقية.
ومثله القصد في المشي. والقصد في الضحك, فالقهقهة قادحة في المروءة, وما رؤي الرسول إلا مبتسماً.
وبعض الخلطة مدعاة لكسب عادات سيئة, ولهذا وُصِف أصحاب (الإبل) بالخيلاء. ووُصِف أصحاب (الغنم) بالسكينة, والوقار, فكيف بمن خالط السفهاء.
وفي الأثر ما من نبي إلا رعى الغنم, والسعي إلى الصلاة مطلوب فيه السكينة:- (ولباس التقوى). قيل الحياء.
لقد فُقِد الحياء في كثير من المجتمعات, ولهذا سنت بعض الدول قوانين لمراعاة الذوق العام في اللباس, والسلوكيات في الحدائق, والمتنزهات, والأماكن العامة, ومنعت التدخين, والمُخَلَّفات, وهذه الإجراءات تحفيز لإشاعة (الوقار).
في مواقع التواصل الاجتماعي يصدمك سوء المنطق, وبذاءة الكلام, ومن ثم لا بد من ضوابط رادعة:- (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن).
وحتى نظام (ساهر) الذي فرضه المرور يتعقب الذين يسيئون استعمال المركبات, ويشكلون أذى في الطرقات, والمخالفات من باب إماطة الأذى عن الطريق. وكل هذه الممارسات المؤذية ناتج فَقْدِ الوقار في السلوكيات, والتعاملات.
وقل مثل ذلك عن (التبذير) و(الاسراف) في المناسبات, والولائم, وتحويل الكماليات إلى ضروريات, ومن عدم الوقار التشبع, ولباس الزور.
(الوقار) ليس وقفاً على القول, ولكنه يمس كل جوانب الحياة, ثقافتنا: المرورية, والغذائية دون المؤمل, ولهذا لابد من الروادع, والأطر.
لقد أصبح المتحدث لا يبحث عن حسن المنطق, وإنما يركن إلى سيئ القول, يخيف به خصمه, مع أن الحياء شعبة من الإيمان, والمؤمن لا يكون لعاناً, ولا بذيء القول.
المصطلحات الإسلامية ثرية, وجامعة للفضائل, فكم من متلق سمع بـ(الوقار) ثم لا يعرف مشمولاته, إذ متى وقر في قلب حمله على التستر, وعدم المجاهرة بالمعاصي, وقمع في نفسه الغضب, والحمق, والطيش, وكثرة التبذل, والمزاح المسف.
إننا أحوج ما نكون إلى تلقي المصطلحات الإسلامية, وفهمها على مراد المرسل, ولو فهمناها, وتلبسنا بها لكنا أمة وسطاً, وقدوة صالحة.
لقد دخل الناس في دين الله أفواجاً بالقدوة, وليس بالسلاح.
الناس يوقرونك إذا وقَّرْت نفسك, فأنت حيث تجعلُها, فاجعلها حيث تريد.