محمد آل الشيخ
يبدو أن الفرنسيين قد حزموا أمرهم، وقرروا مواجهة الإسلام السياسي عندما اكتشفوا أنهم فرطوا وتعاملوا مع كوادره على أنها حركات مدنية، تؤمن بالقيم الديمقراطية كما يدعون في أدبياتهم، غير أنهم أدركوا متأخرين أن الإسلامويين والديمقراطية على طرفي نقيض، فالحرية في قواميسهم تختلف عن الحرية في قواميس هؤلاء. الفرنسيون يرفضون من حيث المبدأ أن يأتي مهاجر إليهم، ويلغي ثقافتهم وما تشتمل عليه من قيم، ويفرض مفاهيمه. من هنا اكتشف أولئك الفرنسيون أن هؤلاء المهاجرين الجدد يمارسون غزواً لبلادهم، ونسفاً للحمتهم الوطنية، فهم يرفضون علناً التقاليد الثقافية للأرض التي هاجروا إليها، ويسعون إلى أن يغيروها، ويستغلون الحرية، ومفهومهم المختل للتعددية، بفرض ما يخدم تكريس ثقافتهم؛ وعندما تتعارض تلك الحرية مع ما يؤمنون به، يُكشرون عن أنيابهم، وتظهر هنا عدوانيتهم التي تمثلت في الحوادث الإرهابية المتكررة التي يعتبرونها (دفاعاً) عن قناعاتهم الدينية. وأنا هنا لست بصدد الموازنة بين أيهما أسمى قيم أصحاب الأرض الأصليين، أم قيم القادمين الجدد من المهاجرين العرب والمسلمين، فهذا موضوع آخر، ولكنني أجد أن العقل والمنطق يتمحور في ما قاله الشيخ محمد العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامي الذي صرح بخطاب مباشر لا لبس فيه مخاطباً أولئك الغوغائيين المؤدلجين: إما أنهم يحترمون قيم وقوانين وثقافة أصحاب الأرض الأصليين أو أنهم يعودون إلى حيث أتوا..
الجماعات الإسلاموية المسيسة، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين رفضوا هذا المنطق، واعتبروا أن ذلك عنصرية، وكأنهم ضمناً يقولون للفرنسيين: دعونا نشرذم مجتمعاتكم، بمعتقداتنا، أو سنلجأ إلى العنف. هنا تأكد الفرنسيون أن الإسلام السياسي هو من ألد أعدائهم، وأن التعامل معه بحضارية يعني أن يسمحوا لهم أن يعبثوا في قيمهم، ويغيروا الثقافة الاجتماعية الفرنسية، التي ما وصلوا إليها، واتفقت شعوبهم عليها، إلا بعد صراعات وكفاح سالت على إثرها دماء، وأزهقت أرواح، ولن يفرطوا بها مهما كانت التضحيات. قرر الفرنسيون مواجهة هذا الداء قبل أن يستشري أكثر، فأصدرت المؤسسات التشريعية قوانين جديدة لضبط هذه الظاهرة لكي لا تتفشى، وتنتشر، طالما أنهم ما زالو قلة مقارنة بأعداد الفرنسيين الأصليين.
كانت جماعات الإسلام السياسي بعد هزيمتها وفشلها فيما كانوا يسمونه الربيع العربي قد لجأوا إلى أوروبا، وبالذات فرنسا، واتخذوا منها ملاذاً آمناً لكي يعيدوا الكرة من هناك مرة أخرى، غير أن الأحداث الإرهابية الأخيرة في فرنسا، ومساندة جماعة الإخوان لها، وصب جام غضبهم على الحكومة الفرنسية، أدى بالفرنسيين أن يأخذوا حذرهم من هذه الجماعة التي كانت الرحم الذي تكون فيه الإسلام السياسي ومن ثم الإرهاب.
وفي تقديري أن مواجهتهم بحزم وقوة لن تنحصر في فرنسا فحسب، وإنما ستمتد إلى أغلب البلاد الأوروبية، بل والغربية، الذين يراقبون ما يجري في فرنسا، وسيحذون حذوها، حفاظاً على قيمهم ومفاهيم ثقافتهم من أن يفجروها أولئك الذين طالما حذرنا منهم، ولكن الأوروبيين لم يأخذوا تحذيراتنا على محمل الجد، حتى ذاقوا منهم ما ذاقت شعوبنا.
ملاذات جماعات الإسلام السياسي ها هي تتصدع، ولم يدرك خطورة هذا التصدع، ونهايات هذه المواجهة مع الثقافة الغربية إلا التونسي راشد الغنوشي، لأنه أدرك ماذا يُخبئ المستقبل من أخطار عليهم ستجعل الغرب يتعامل معهم كما يتعامل الروس والصينيون والهنود؛ عندها سيصبحون منبوذين مطاردين أينما حلوا وارتحلوا.
إلى اللقاء