د.محمد بن عبدالرحمن البشر
جملة تقال، عندما لا يكون الأمر واضحاً، أو أن أمراً خفياً سيظهر، وهي أيضاً للإيحاء بأن هناك في المجلس من لا يرغب المتحدث الحديث في وجوده، وهي تعبير للدلالة عن معان كثيرة أخرى، ليس فيها دلالة على أمل سعيد يرتجى.
لكن في الواقع أن السماء تكون ملبدة بالسحاب، والجو زاخر بالغيوم، فتكون الآمال حاضرة، وللتعلق بها لقدوم السرور، والبهجة والحبور، ومغادرة الدور، للتمتع، بالزهور، وصيد الطيور، أملاً في مستقبل مشرق، وينطلق الناس جماعات وأفراداً للأنسة في مساحة لا تجعل للنظر حداً، ولا عائقاً يردها عن الانطلاقة، والغيم يحجب أشعة الشمس، ويساقط المطر هتاناً، ووابلاً، وواكفاً، وسحاً، فتنتشر رائحة الندى مبشرة بربيع قادم بإذن الله يحمل بين طياته الأمل ببزوغ بادرات الأعشاب والزهور، بعد عدة أيام، وليغسل ما علق بالأشجار من غبار، فتورق ويظهر بهاؤها ورونقها.
ولعل أبلغ منا وصفاً الشاعر ابن خاتمة الانصاري الأندلسي معاصر لسان الدين بن الخطيب في غرناطة في القرن الذي سبق قرن السقوط، ولكن لان بشعره ما قد لا يحسن ايراده فقد تصرفنا في بعض مفرداته، فيقول:
حيَّا الرَّبيعُ بِنَرجِسٍ وَبَهارِ
فارْدُدْ تَحيَّتَهُ بشكر الباري
أوَما تَرَى وَجْه الزَّمانِ قد اكْتَسى
كعِذارِ آسٍ أو كآسِ عِذارِ
والأرضُ قد لَبِسَتْ مَطارِفَ نَبْتِها
وتَوشَّحتْ بِصَوارِمِ الأنْهارِ
والدَّوْحُ أمْثال المَنابرِ فوقَها
خُطباءُ بالإسْحارِ في الأسْحارِ
يا له من وصف رائع لهذا الربيع الجميل، والغيم في الجو يكسو السماء فيحجب ضوء القمر، ثم لا يلبث ان يترك مساحة من الصفاء ينبعث منها ضوء القمر فينثر أشعته، كأنه غادة حسناء تطل من شرفة قصر منيف، لكن تلك الغادة الحسناء تغيب لتزيد القلوب حرقة وأملاً فتعود مرة أخرى، لتزيد بهاءها بهاء في أمل الاطلالة الأخرى، إلى أن قال:
منْ كَفِّ بارِعَةِ الجَمال بَديعةٍ
تُربي عَلى الأوْطار والأطْوارِ
أفْدِي الَّتي لَوْلا سوادُ خِضابِها
مَحَتِ الدُّجا بأشِعَّةِ الأنْوارِ
هَيْفاءُ تُحْمى عن تَخالُسٍ ناظِرٍ
بِشفارِ سُمْرٍ أو بسُمْرِ شِفارِ
أعْيَتْ عَلى العُشَّاقِ طُرْقُ وصالِها
فَمَنالُها بالوَهْمِ والتَّذكار
شعر جميل، ووصف بديع يليق باستخدام تلك الجملة الرائعة «في الجو غيم».
وتعالوا لنقف عند معنى آخر لتلك الجملة في ظل جائحة كورونا، وأثرها الاقتصادي على مستقبل العالم الصحي والاقتصادي، فقد كانت ومازالت تسبب الكثير من الآلام والمعاناة لشعوب الأرض قاطبة، ولم ينج منها سوى القليل من الدول، ويبدو أنها ستظل كذلك حتى يحين وقت وصول اللقاح إلى نحو سبعين في المائة من كل مجتمع، حتى تكون مناعة القطيع قد فعلت فعلها.
لقد حملت تللك الجائحة، والغيمة المتلاصقة للأرض، والمتنقلة عبر المتنقلين من المسافرين عبر السماء وهكذا في الجو غيم من ذلك الفيروس الذي ليس كائناً حياً، وإنما هو تركيبة جينية خالية من الحياة خارج جسم الإنسان، والأغرب انها منعت الناس من التلاقي والتواصل والاجتماع، كما حدت من الترحال لفضاء الحاجة، او قسط من الراحة، وعلاجها الصبر، والإيمان بالقضاء والقدر، والتوكل على الباري عز وجل، مع أخذ الاحتياطات اللازمة.
هناك أيضاً في الجو غيم، فيما يحدث من انتخابات أمريكية، عاصفة، وإن بدى أنها قد اتجهت إلى وجهة معينة، إلاًّ أنها ظلت تحمل بين جنباتها ما قد يكون مفاجأة من نوع ما، حتى وإن كان احتماله ضعيفاً.
صراع مرير لكن يقف القانون والدستور حاجزاً عن تخطي ما تشتهيه النفس من كلا الطرفين، لكن ما زال في الجو غيم حتى يحين الوقت الذي يجب فيه الفصل في الموضوع العشرين من الشهر الأول من العام القادم.
وفي الجو غيم أيضاً بما حل في إيران من اغتيال ابرز مخططي ومهندسي برنامجها النووي الذي تطمح من خلاله ان تبلغ أمراً لا يمكنها بلوغه، لأن المجتمع الدولي والعالم بأسره لا يمكنه قبول ذلك.
وإن كانت تظهر شيئاً من التماسك إلاًّ أنها في جوها غيم كثيف من التخلخل في منظومتها العلمية والاجتماعية والسياسية، وقد بدأ يظهر على السطح ذلك التأثير والتنازع في ظل كورونا والحصار وتذمر الشعب، وعدم قناعته بقادته، ولولا القمع الذي يعيشه الشعب الإيراني، لكان الأمر مختلفاً.
في جو إيران غيم كثيف من البؤس والحاجة، ورغبة شديدة من الشعب الإيراني لتكون دولتهم دولة طبيعية مثل سائر الدول، وليست حاملة لمعاول الهدم هنا وهناك، في المنطقة وغيرها من دول العالم، لا لشيء سوى وهم يجعل جوها دائماً غائماً بالألم والحزن وشغف العيش، والبعد عن اللحاق بركب التطور العالمي.