«الجزيرة الثقافية» - حاوره/ جابر محمد مدخلي:
بين أن تكتب أو تزرع ما تكتبه في أرضٍ، وأوراق تمنحك صدرها، وروحها، وتقدم لك خيراتها، وبين أن تبقى قادراً على لفظ أنفاسك عبر سطور ومسارب الكتابة. كان يعلم جيداً منذ البدء أنه ابن الأرض الطيبة التي لم تخذل «بيرل باك» وإنما منحتها أرضًا جميلة بحجم رواية. الأديب إبراهيم شحبي شخصية يمكنك أن تقيم معها علاقة حتى ولو كنت لأول مرةٍ تلتقيه. حمل شحبي محيطه في رواياته: أنثى تشطر القبيلة، السقوط، حدائق النفط، أحواض الريحان، سارق الجماجم، وبلغ أعلى ذروة الإبداع فكانت النتيجة متوقعة لمثله بأن يصل بـ(الوردة القاتلة) إلى قائمة جائزة الشيخ زايد العربية. وعن قصّته فسنجد: «نزف في ذاكرة رجل، ما وراء الأنفاق، حواف تكتنز حمرة، ثم جمع قصصه في (حواف)». وعن شعره: «وجهك، البحث، الديمومة، قوافل الهجس». وعن الناقد المجتمعي والمفكر فسنجد: «حكايتي مع العلمانية، السلطة والهوية: ملامح من تشكيلات المجتمع السعودي، الهُوية: نسوانية المستقبل». ومقالاته خرجت في «أسماء وآراء» وليس هذا كله شحبي فحسب؛ بل لديه الكثير والأكثر مما أخرجه، ومما لم يخرجه بعد. يمكننا القول إنه أحد أهم رواد العقد الأوسط للأدب السعودي الحديث -وتحديداً- السرد؛ وهذا بحد ذاته حافز لأن تظفر به الجزيرة الثقافية؛ لتتحاور معه حول تجربته ولتحتفي بإبداعه.
* قبل الخوض بهذا الحوار نود أن تقول لكم أسرة جريدة الجزيرة وملحقها الثقافي أهلاً برائد السرد بالعقد الأوسط للأدب السعودي:
- شكراً جزيلاً لكم وللجزيرة الثقافية على هذه اللفتة الكريمة.
* لا شك أن أديبنا شحبي عبر بأدبه مِحناً ومعتركاً كبيرًا؛ وإلا لم يكن ليصلنا بهذه المتانة والرصانة التي احتفظت بجودتها مع تقادم العقود.. ما الذي توقعتمونه لتجربتكم قبل البدء أصلاً؟
- في البداية لم يشغلني سوى الكتابة، لم أكن أضع حدوداً لتصوري عما سأكون، وعندما كنتُ بدأت أتلمس مكان تجربتي التي لم تكن موفقة، بمعنى أن طموحي ظل أكبر من أدواتي الكتابية، ربما نجحت في جوانب وأخفقت في أخرى لكن يظل هذا جهدي.
* في كتابكم «الهُوية.. نسوانية المُستقبل» هل كانت نبوءة أم استلهام في توقع حيازة المرأة السعودية على كل هذا الازدهار بحياتها الأدبية والمستقبلية والإبداعية؟ أم كان ضرباً من التوقعات؟
- لا أعرف ماذا أسمي ما كتبته في (نسوانية المستقبل)، أو في بعض رواياتي، إذ إن ما حدث من تحول في وضع المرأة ما زال في البداية، سينطفئ الرجل، وقد قلت في حوار العربية (إضاءات) 2008م أن المرأة في المملكة ستقود السيارة بعد بضع سنوات، حينها هاجمني البعض وسخر من مقولتي آخرون، ولأن التحول الزمني، ومخاض الحياة تلد ما ليس في الحسبان، فما زال أمامنا الكثير من التحولات.
* كل من قرأ كتابكم «حكايتي مع العلمانية» سيجد فيه باباً مفتوحاً أمامه للتعرف على وجود آخر لوجوه متقلبة تعيش بيننا، وربما تكون منقلبة علينا حسب تياراتها، وضارةً لنا أكثر من أن تكون جالبةً للنفع.. هل يمكنكم وضعي أمام مفترق طرق غير مشتت يلخص لي البُعد النفسي الذي عشتموه أثناء إخراج هذا المُنجز الصادق في مواجهة الأصوات الحاقدة والجاحدة والخفية؟
- (حكايتي مع العلمانية) كتبته بصدق وبساطة متناهية، لامني عليها بعض المثقفين، واعتبروها سقطة لا تُغتفر، لكنه بالمقابل حظي باهتمام من قبل آخرين، لقد سميتُ فيه الأشياء والأسماء بمسمياتها دون مواربة، مدفوعاً بمسؤولية زمنية ومجتمعية.
* روايتكم الأخيرة «الوردة القاتلة» وصلت القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد؛ برأيكم ما الخامة التي كُتِبت بها لتصل كأول عملٍ لكم لمنجز كهذا؟ وما الذي تودون قوله لكتّاب السرد الذي بدا كما لو أنه يخفت قليلاً بمشهدنا السعودي؟
- أعتقد أن القيمة الإنسانية العالية في شخصية الحلاج هي ما أوصل العمل وليست الطريقة التي كتبت بها الرواية، وسيرة الحلاج ما زالت ثرية لم آت في عملي إلا على اليسير منها، وليس لدي نصائح لكتّاب السرد، فالفضاء المفتوح على مصراعيه ربما جعل لغة السرد غير جاذبة في زمن الرقمنة.
* تناولتم سيرة (الحلاج) باعتباره أحد الرموز الإسلامية الزاهدة والمتصوفة، فكيف نشأت لديكم الفكرة حول جعل تلك الوردة قاتلة، وليست وردة عشق، أو سلام؟
- جاءت فكرة (الوردة القاتلة) كعنوان من موقف صديق الحلاج (الشبلي) الذي أجبره جند الخليفة على رمي الحلاج بالحجارة فرماه بوردة كانت في يده فشعر معها الحلاج بخروج روحه جزعاً، ولهذا كانت وردة قاتلة في مدلولها.
* بدأتم مسيرتكم بالقصيدة، فالقصة، فكتب السير الذاتية، والفكرية، والمجتمعية، ثم جاء ختامها رواية فاتنة.. هل من جديد خلف صمت أديبنا شحبي؟
- الأفكار الكتابية كثيرة، لكن الطموح في إنجاز المختلف إضافة إلى واقع النشر ومشاكله التي لا تحصى جعلتني أتوقف.
* ليس ختاماً بحوارنا هذا؛ فمثلكم لا يختتم معه الحديث، ولكن لنقل كلمة أخيرة منكم لقراء الجزيرة وملحقها الثقافي؟
- شكرًا جزيلاً لكم وللجزيرة الثقافية على هذا الاهتمام. وصحيفة الجزير لها فضل احتضان جلّ بداياتي الشعرية والقصصية، ونشرت روايتي الأولى (الخروج إلى الكهف) على صفحاتها في سلسلة أسبوعية عام 1418هـ، ثم تلتها بنشر رواية (أنثى تشطر القبيلة) في عام 1419هـ، وهي اليوم تكرمني.