لم أعرف سبب اختيار العنوان لهذه المشاركة إلا أنه عندما أردت المقاربة بين شخصية ( أبي ) إبراهيم شحبي، وبين الشخصيات الأسطورية المجيدة حسبته يتماهى مع بطل رواية (ليون الإفريقي) لأمين معلوف.
فوق معطفه تنام الغيوم، وفي ثنايا شماغه الملفوف بحرفنة مزارع تنمو السنابل، وتبني العصافير أعشاشها في أمان.
أنادي الأستاذ القدير بيا ( أبي ) فيجيب ( لبيه ) فتختلج بين ضلوعي مشاعر يتعذر وصفها. ما أكرم العزوة بسيد الجبل والسهل والوادي وما أعجب أثر لبيه عندما تنبعث من لسان صادق.
لا يخفى على فطن أن اكتشاف قمم الجبال لا يتأتى من بطن الوادي. كنتُ منذ ربع قرن أرى صورته في الملاحق الثقافية، والصفحات الأدبية، وألمح في محياه نقوش الكفاح ومياسم الصبر وسيماء الصالحين.
الأرواح جنود مجندة، وعندما تخطر ببال الرجال عسير يحضر الكبير محمد بن حميد عليه رحمة الله، أوّل من وجه لي دعوة أدبية لمسامرة، وهناك التقيتُ من تتلمذت على يده ( شحبي ) وقابلت بفخر أساتذة مهرة منهم الغالي إبراهيم طالع، ومحمد زايد الألمعي، وأحمد التيهاني، وعلي مغاوي، وغيرهم من صحبة راقية ورائقة، وتبقى سحنة أبو فراس ماركة مسجلة للمبدع العميق البسيط.
أتذكر هنا مقولة «رسول حمزاتوف» في رواية «بلدي داغستان» : العربات الفارغة تملأ الفضاء ضجيجاً، فأستحي أن أتكلم في حضرة موفور المعرفة الشغوف بالعزلة ، العامر وجدانه بثراء فكري وفلسفي وعرفاني، لا مزايدة على طيبة قلبه، ونقاء سريرته، وسعة صدره، وسخاء روحه، وصفاء ذهنه، وسمو نفسه، ورجاحة عقله.
ابن الأرض قريبٌ من السماء، لأن علاقته بالغيث علاقة نقاء، وقريبٌ من الكائنات لأنه يتبنى التوجيه النبوي ( في كل كبد صدقة ) وقريبٌ من الناس لأن الثقافة العريقة تؤنسن ولا تُوحّش، وتهذّب ولا تُعذّب، وتُدني ولا تنأي، فمن مثل أبي المثقل بهموم يومه والعاشق لشموخ وطنه، والساقي بمعينه العذب كل من أظمأتهم مرارة الأيام.
جاء في الحديث ( الإيمان بضع وسبعون أو وستون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ). هذا حديث ينطبق على المتفق عليه.
** **
- د. علي بن محمد الرباعي