د. عبد الإله بن عبدالله المشرف
أحسنتم يا وزارة التعليم؛ لقد خيبتم ظن كثير من المتشائمين حول إمكانية تحقيق التواصل المستمر بين المعلم والطالب باستخدام التقنية (التعليم عن بُعد)؛ لقد أصبح أبناؤنا وبناتنا يتواصلون مع معلميهم ومعلماتهم في المنزل، وتحوّلت منازلنا إلى قاعات تعليم، بل تفاعلت الأسرة بكاملها مع العملية التعليمية.. فشكرًا يا وزارة التعليم، وشكرًا لكل من أسهم في تحقيق هذا النجاح.
ولأننا من أبناء الوزارة، سواء كنا طلابًا أو معلمين أو أولياء أمور، فإن من حق وزارتنا الكريمة أن نتعاون معها في تحقيق الأهداف بالصورة التي تلبي طموحاتنا جميعًا. وقد انقدحت شرارة هذا المقال عندما رأيت أبنائي وبناتي وهم يستعدون لاختبارات نهاية الفصل الأول، وعندما علمت بعزم وزارتنا العزيزة على استكمال برنامج التعليم عن بعد في ظل استمرار هذا الوباء الذي نسأل الله أن يرفعه عن الأمة عاجلاً غير آجل.
لعلي بعد هذه المقدمة المختصرة أشير إلى تساؤلات أثق بأنها لا تغيب عن زملائي في وزارة التعليم، منها على سبيل المثال لا الحصر:
1. هل نجاح عملية الاتصال بين المعلم والطالب يعني نجاح عملية التعلم؟
2. هل حققت العملية التعليمية في شكلها الحالي (عن بعد) أهداف النمو الاجتماعي لدى الطالب؟
3. كيف تستطيع المدرسة تعويض الطالب عن برامج الأنشطة الصفية الميدانية، والتربية الرياضية.. وغيرها؟
4.هل سمح نظام التعليم عن بعد للمعلم بأن يقوم بدوره التعليمي التربوي بالصورة المثلى أو قريبًا منها؟
5. هل تمت عملية التقويم بالصورة الموضوعية الشفافة التي تعكس فعلاً جهد الطالب/ ة وتحصيلهما العلمي؟
6. هل توافرت لدى الوزارة تغذية راجعة شاملة لكل مكونات العملية التعليمية عن بعد؛ لكي نستطيع تطويرها وتلافي أو التقليل من جوانب القصور التي تعاني منها حاليًا.
7. ما مدى تأثير جلوس الطالب/ ة فترة طويلة على الجهاز وتواصله بالسمع تقريبًا على وضعه الصحي والنفسي والاجتماعي؟
8. هل بالإمكان أن تعتمد الوزارة على إمكاناتها التقنية الذاتية في سبيل ترشيد الإنفاق وتوطين التقنية المتطورة؟
9. هل النموذج التعليمي الحالي «عن بعد»، الذي يعزز التعلم والتعليم الذاتي، يوفر كل المصادر المعينة على عمليتَي التعليم والتعلم لكل من المعلم والطالب؟
10. كيف نعزز من دور الإشراف التربوي في خدمة المعلم والطالب والأسرة في نموذج التعليم عن بعد؟
والقائمة تطول في تساؤلات، نرى أهمية أن تجد الوزارة لها أجوبة شافية كافية، وأن تستثمر الوزارة هذه التجربة النوعية الناجحة. ويمكن الإشارة إلى بعض المقترحات المستفادة من هذه التجربة الثرية:
- لا بد أن تتحول جائحة كورونا إلى فرصة ذهبية، تمكِّننا في وزارة التعليم من توفير بدائل مكافئة للتعليم التقليدي، وأن تعيننا على تنويع أنماط التعليم، وتطوير طرائق التدريس والتقويم التربوي والنشاط الصفي واللاصفي للطالب.
- المعلم الذي أثبت أنه أهلٌ للمسؤولية، والركن الرئيس في نجاحها، يجب أن ينال حظه من الاهتمام والتقدير، وينبغي ألا يقتصر دورنا على مطالبته بالإنجاز دون تمكينه من المهارات والأدوات المعينة، وتوفير التدريب النوعي؛ ليحقق النجاح المنشود في هذا النظام التعليمي الحديث؛ فالمعلم مثله مثل الطالب مستهدف بالتطوير والنمو.
- لعل من أبرز سمات التعلم عن بعد هو تعزيز الثقة في الطالب والمعلم؛ إذ إن مساحة التعلم الذاتي والتقويم الذاتي التي يمارسها كل منهما تخلق فرصة للوزارة لتجاوز أسلوب الوصاية الكاملة التي كنا نمارسها في أنماط تعليمية تقليدية سابقة.
- ينبغي أن يتجاوز دورنا في «التعليم عن بعد» تعزيز حفظ المعلومات، أو القدرة على إجابة حفنة من الأسئلة والاستفهامات، بل يجب التشديد على أهمية بناء القدرات، وتطوير المهارات، وتمكين الطالب من توظيف ما يكتسبه في قاعة الصف في حل مشكلاته، وبناء ذاته، وتحقيق النجاح في حياته العامة والخاصة.
- فرصة ذهبية أن تتفاعل الأسرة بشكل مميز في هذه التجربة. وليتنا في وزارة التعليم نضع برامج خاصة للأسرة، ونشركها بشكل شبه إلزامي في العملية التعليمية؛ فالتعليم مسؤولية كل مواطن، والبيت هو المحضن الحقيقي لبناء وصناعة الإنسان الناجح.. لا بد من برنامج تثقيفي تدريبي أسري.
- المساحة التي يتيحها التعليم عن بعد واسعة جدًّا من حيث عدد المستفيدين، ونوع البرامج المقدمة؛ فكل برامج الوزارة الموازية، مثل رعاية الموهبة، والنشاط الطلابي، والتطوير المهني، والمدرسة الافتراضية، والبرامج التخصصية.. إلخ متاحة في هذا النمط التعليمي؛ لهذا يجب أن تنال هذه المجالات حقها في التطوير.
- نحن متفائلون، وننظر دائمًا إلى نجاحاتنا فنعززها، ونعتبر أن كل ما يسميه الآخرون إخفاقًا هو بالنسبة لنا مسار، أوصلنا إلى نتائج أخرى نتعلم منها؛ ولهذا فنحن نتعلم من هذه التجربة الفريدة التي يشارك فيها المجتمع بكامله، وبشكل لا يمكن أن يتوافر إلا في ظروف مثل هذه الظروف؛ فلنستثمرها.