د.معراج أحمد معراج الندوي
شهدت الهند في عصورها المختلفة لغات مختلفة ولهجات متنوعة، ومن أهمها اللغة الأردية. اللغة الأردية هي لغة هندية عريقة. واللغة الأردية كانت تعرف في البداية باسم «اللغة الهندوستانية»، ثم تحول هذا الاسم إلى «ريخته»، ثم استقر الاسم على «أردو» في القرن الثامن عشر الميلادي.
كلمة «أردو» - وهي تركية الأصل - تعني الجيش أو المعسك. وإن المسلمين أتوا بمختلف اللغات إلى الهند، وصاغوا لغاتها بكلماتهم؛ فإن دلهي عندما كانت تحت إمارة المسلمين كانت اللغات المحيطة بها هي «برج بهاشا»، وهناك أيضًا بعض اللغات التي دخلت إلى اللغة الهندية، وهي التركية والعربية، وأخيرًا الإنجليزية.
تشترك اللغتان الهندية والأردية في الأصل «الهندو آرياني» إلا أن اللغة الأردية ترتبط بأسلوب خط النستعليق الفارسي الأصل، وكانت تُقرأ من اليمين إلى اليسار في بداية أمرها، وكُتبت بالأحرف الديوناكرية، ثم تطورت وتوسعت نطاقها، وأخذت تُكتب بالخط العربي؛ فإن قواعدها وتراكيبها وأفعالها وضمائرها كانت هندية خالصة، أما ألفاظها ومصطلحاتها فقد استمدت من العربية والتركية والفارسية، ثم استُبدلت الأفعال الهندية بالأفعال الفارسية. أما العروض وبحوره وقوافيه فهو العروض العربي، وأبجديتها هي الأبجدية العربية مع بعض الحروف الزائدة.
نشأت هذه اللغة في زمن الحكم الإسلامي الذي امتد أكثر من ألف عام في شبه القارة الهندية، وذلك باختلاط الجيوش الإسلامية التي استوطنت شبه القارة، المكونة من قادة وجنود من العرب والفرس والأفغان والترك والمغول، فضلاً عن سكان بلاد شبه القارة في مدينة دلهي عاصمة الهند الإسلامية، ثم انتشرت مع انتشار وامتداد الحكم الإسلامي في طول البلاد وعرضها، واتسع نطاق المتحدثين بها، وما هي إلا حقبة من الزمن حتى صارت لغة الثقافة والعلوم والأدب.
تعد اللغة الأردية التي تكتب بالخط العربي الفارسي كبرى لغات العالم الإسلامي وأوسعها انتشارًا بعد العربية والفارسية. وقد تفاعلت اللغة الأردية، وسارت على سيرها، وتطورت تدريجيًّا خلال الاحتكاك باللغات العربية والفارسية والتركية أثناء الفتوحات الإسلامية في شبه القارة الهندية، وازدهرت في ظل الحكومات الإسلامية المتعاقبة، ودخلت فيها الكثير من الألفاظ والتراكيب والمصطلحات العربية والفارسية والتركية، ثم تنافست الإنتاجات الأدبية والفكرية والثقافية باللغات الأخرى في الهند، وتفوقت عليها، وأحرزت قصب السبق في مجال الفكر والأدب.
بلغت الأردية مستوى رفيعًا في القرن التاسع عشر، وأصبحت لغة التأليف العلمي الوحيدة واللغة الرئيسية الكبرى التي تُفهم في أرجاء شبه القارة الهندية كلها، وكانت لها آدابها وثقافتها وتقاليدها، وعندما جاء الفتح الإسلامي تداخلت هذه اللغة مع الفاتحين، وأدخلوا عليها كلمات عربية وفارسية وتركية، فتغيَّر شكلها، وبقيت قواعدها هندية، وامتزجت باللغات العربية والفارسية والتركية.
تمتاز اللغة الأردية بغزارتها في الإنتاج الفكري والأدبي؛ إذ أنجبت مئات من الشخصيات الخالدة في العلوم والآداب والسياسة والصحافة والسينما، تُكتب أسماؤهم بماء من الذهب، وحتى اليوم تضيف إلى السينما الهندية القبول العام من خلال الحوارات بجمالها الساحر.
ومن خصائص اللغة الأردية أنها يُفسح لها المجال في قاموسها لاحتضانها كل الكلمات من اللغات الموجودة في العالم بكل سهولة وعناية.
الجدير بالذكر أن اللغة العربية ظلت منبع ألفاظ الحضارة والثقافة في الهند، كما احتلت مكانة مرموقة كمصدر في إثراء اللغات الهندية، ولاسيما اللغة الأردية.
لقد سافر العلماء المسلمون الهنود إلى الحجاز من أجل تتبُّع العلوم الإسلامية والتفقه في الدين، ثم عادوا إلى موطنهم، وحملوا مسؤولية نشر التراث الإسلامي باللغتَين العربية والأردية، وأقاموا المدارس لتعليم الدين الإسلامي من خلال اللغة الأردية، وأسهموا في الدراسات الإسلامية والعربية عبر القرون.
أخذت اللغة الأردية من خلال اللغتَين الفارسية والعربية بوضوح الطابع الأدبي واللغوي الإسلامي، وأسهمت الكثير في العلوم والفنون الإسلامية.
** **
الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها - جامعة عالية، كولكاتا - الهند