زكية إبراهيم الحجي
سابقاً كانت الكلمة هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها تشكيل وعي المجتمع إذا ما توفرت لها القدرة على الانتشار.. من خلال الطباعة ثم بناء شبكة واسعة للتوزيع.. ومع مرور الأيام وتوالي الأجيال لم تختفِ الكلمة ولم يتراجع تأثيرها لكنها لم تعد هي المحرك الوحيد لتحديد ملامح الثقافة في أي مجتمع من المجتمعات، وبظهور الإنترنت نشأت ثقافة تتغير بشكل سريع.. السؤال هل التكنولوجيا نشأت من نسيج الثقافة أم أن التكنولوجيا أسهمت في تشكيل نسيج الثقافة؟.
لا شك أن أي تنمية تكنولوجية منزوعة من سياق مجتمعها وثقافته ستكون تنمية بطيئة ومكلفة.. لذلك كانت الثقافة طريقاً ممهداً للثورة التكنولوجية.. فقبل الثورة الصناعية وقبل الانفجار التكنولوجي وفي القرن الخامس عشر مهدت الثقافة الأوروبية الطريق لها، وتلا ذلك حركة التنوير التي ناهضت الشعوذة والخرافات متحدية بذلك الاعتقادات والتقاليد التي كانت سائدة في ذلك الوقت.. ومع بدايات القرن العشرين وعندما كانت الثورة العلمية والثقافية تشق طريقها مهدت الطريق أمام ثورة التكنولوجيا الرقمية الحالية.
إذا ما عدنا إلى الوراء قليلاً وتأملنا كيف كانت حياة السابقين ومدى المعاناة والمكابدة لتخطي مشقات ما كان يواجههم فقط للحصول على النذر اليسير مما نتمتع به اليوم بفضل التكنولوجيا الحديثة فإن شعورنا برفاهية وسهولة الحياة في وقتنا الحالي تزداد تعمقاً وتنشر فيضاً من الراحة والسعادة.. لكن رغم فوائدها الجمة خلقت وللأسف الكسل والاتكال عند الكثير.. التكنولوجيا التي يتمتع بها الجميع لم تنشأ وتولد من فراغ بل من الثقافة التي امتدت من العهود الغابرة إلى حاضرنا وما زالت.. الثقافة ليست إلا ذاكرة تختزن كل ما مر ويمر به الإنسان من أنشطة متنوعة تتراوح ما بين أدبية وتاريخية.. فنية وأثرية والقائمة تطول.. اليوم ومع ما نشاهده من زيادة وتيرة التطور التكنولوجي لا شك أن كلاً من الثقافة والسياسة والاقتصاد تؤثر في الاختيارات التكنولوجية، بالمقابل فإن للتكنولوجيا نتائج وتأثيرات سياسية وثقافية، حيث إن التكنولوجيا تملك مفاتيح الثقافة بكل أنواعها والثقافة محمولة بالتكنولوجيا ومع تطورها المستمر نجحت في نشر الثقافات المختلفة.
الثقافة ضرورة من ضرورات حياة الأفراد والجماعات والشعوب، وفي ذات الوقت تعتبر مصدراً للهويات وعنصراً من عناصر التماسك الاجتماعي، ولكل أمة ثقافتها التي تعتز بها وتخشى عليها.. أما التكنولوجيا فدورها يكمن في تبادل ونقل مختلف الثقافات بين الشعوب مما يرسخ مفهوم التنوع الثقافي وتعزيز مبدأ التعايش والحوار والتواصل الحضاري بين الشعوب.. لقد باتت تكنولوجيا وسائل الاتصال نافذة يطل منها الإنسان على العالم ويرى من خلالها الثقافات المختلفة وحضارات الأمم السابقة والميراث الاجتماعي لكافة منجزات البشرية.