د.م.علي بن محمد القحطاني
بات فيروس كورونا المستجد إحدى أبرز القضايا العالمية التي تشغل بال الدول إن لم تكن أبرزها بلا منازع بعدما تسبّب في وفاة أكثر من مليون ونصف المليون شخص حول العالم، وأصاب أكثر من 70 مليونًا آخرين، وأصبح السباق على إيجاد لقاح ناجع له الشغل الشاغل لشركات صناعة الأدوية، وكذلك الدول؛ فهم في سباق مع الزمن مما استوجب من الدول تقديم العديد من التنازلات في آلية وأسلوب اعتماد اللقاحات تحت مسمى الطوارئ الطبية؛ إذ إن أغلب -إن لم يكن جميع- هذه اللقاحات لم تستكمل جميع مراحل ضمان سلامة الإنسان وضمان استخدامه بدون آثار جانبية؛ إذ لم يتم استكمال إجراءات وبروتوكول تسجيل اللقاحات بشكل نهائي؛ فهي لا تزال في منتصف أو نهايات المرحلة الثالثة من التجارب السريرية.
ومن اللقاحات المعلَنة حتى الآن ما تتضمن تقنية تغيير الجينات، ولم تتضح حتى الآن أبعادها، وفاعليتها، آثارها العكسية والجانبية. كما أن شركات اللقاحات سعت للحصول على حماية من الملاحقة أو المساءلة القانونية ضد أي دعاوي قانونيه أو أضرار تنتج من لقاحاتهم، ومنها شركة فايزر- بيونتيك؛ وهو ما يثير العديد من علامات الاستفهام
«لا يمكنك أن ترى صورتك في الماء وهو يغلي، وكذلك لا يمكن أن ترى الحقائق وأنت في حالة من فقدان التركيز».
فهل استفاد المؤيدون والمروجون لأخذ اللقاح من هذه المقولة في ظل هذا الحراك والتضاربات في التصريحات، وهذه الأمواج العاتية من المعلومات، منها الصحيح، ومنها المدسوس، ومنها الخطأ والصواب، والغث والسمين.. وبمعظم اللغات واللهجات استُخدمت وسائل الإعلام التقليدي والحديث ووسائل التواصل الاجتماعي كسلاح مؤثر، بل مؤثر جدًّا لتحقيق أهدافهم؛ وهو ما خلق حالة من عدم اليقين، وانقسامات على مستوى الدول والمجتمعات والأفراد؛ ما افقدنا الرؤية والتبصر حول الوباء واللقاح.. فتسارعت وتيرة اعتماد هذا اللقاح من الأجهزة المعنية في العديد من دول العالم المتقدم نتيجة ضغوط زيادة عدد الحالات في تلك الدول، وما نتج عنها من عجز في البنى التحتية الطبية، وعدم قدرة المستشفيات على استيعاب أي حالات جديدة نتج منه زيادة أعداد الوفيات؛ ما عرّى النظام الصحي بأكمله في دول كنا نحسبها ونصنفها من الدول المتقدمة؛ وجعل تلك الدول تسارع في سباق محموم لتخفيف هذه الضغوط وامتصاص غضب مواطنيها للدخول في هذا السباق المجهولة نهايته. فعلى سبيل المثال
أعطت السلطات الصحية الكندية يوم الأربعاء التصريح المطلوب لشركتي «فايزر كندا» و»بيونتيك إس إي» لاستخدام اللقاح الذي أنتجتاه ضد كوفيد-19، وذلك بُعيد إصدار قانون في حالة طوارئ طبية.
كما سبق أن رخصت بريطانيا لهذا اللقاح، وتسلمت أولى جرعات لقاح فايزر- بيونتيك تمهيدًا لانطلاق حملة التطعيم.
أما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد اعتبرت وكالة الأدوية الأمريكية لقاح فايزر/ بايونتيك «آمنًا»، ورأى الخبراء في الوكالة الأمريكية للأغذية والعقاقير (إف دي إيه) في تقرير نشر الثلاثاء أن هذا اللقاح لا يشكّل أي خطر على السلامة يحول دون حصوله على ترخيص، وبالفعل تمت إجازته يوم الجمعة مع توقع بدء التطعيم في الأيام القليلة القادمة. وأشار الخبراء في الوكالة في تقرير نشر قبل يومين من اجتماع عام للجنة الاستشارية في الوكالة حول اللقاحات إلى أن بيانات السلامة التي تشمل المشاركين الـ38 ألفًا في التجربة السريرية على هذا اللقاح «تشير إلى ميزات سلامة مواتية دون تسجيل أي مشكلة محددة على صعيد السلامة، تحول دون حصوله على ترخيص عاجل».
وكانت أكثر الآثار الجانبية لدى المشاركين البالغ عددهم 43 ألفًا و252 شخصًا، وبينهم أطفال ومراهقون فوق سن الثانية عشرة، تحسس في مكان الحقنة في الذراع (84.1 %)، وتعب (62.9 %)، وألم في الرأس (55.1 %)، ووجع في العضلات (38.3 %)، وقشعريرة (31.9 %)، وأوجاع في المفاصل (23.6 %)، وحمى (14.2 %).
وسُجلت ردود فعل حادة لدى صفر إلى 4.6 % من المشاركين، وكانت أقل حدوثًا لدى فئة الأشخاص فوق سن الخامسة والخمسين (2.8 %) منها لدى الشباب (0.4 %).
أما الآثار الجانبية الخطرة التي تستدعي الدخول إلى المستشفيات فكانت نادرة جدًّا في مجمل التجربة السريرية (أقل من 0.5 %)، وكانت متساوية بين المجموعة التي تلقت اللقاح الوهمي، وتلك التي حصلت على اللقاح الفعلي؛ ما يشير إلى أن اللقاح ليس السبب في ذلك. ولكن أستراليا قررت إيقاف اللقاح المحلي بعد تجارب على متطوعين ظهر في تحليل دماء بعضهم فيروس نقص المناعة (HIV) بنتيجة إيجابية «خاطئة» نتيجة احتواء لقاح كورونا على جزء من فيروس (HIV)، ولكن الخوف من تحوله إلى إيجابي حقيقي بعد مدة قد يجبر الكثير على إعادة النظر في هذا اللقاح.
وعلى الرغم من كل ما ذُكر، وبنظرة فاحصة متأنية بعيدًا عن هذه الضغوط، يبدو أن المرض لا يرقى لمستوى ما أُثير حوله وما اتخذ من إجراءات لإيقاف انتشاره؛ فله علاجات ناجحة، وبروتوكولات علاجية ناجعة. فعلى المستوى العالمي بلغت نسبة إجمالي المصابين 0.089 % تقريبًا من تعداد سكان العالم، وبلغت نسبة المتعافين 64.5 % من إجمالي الإصابات، وبلغت نسبة الوفيات 1.67 % من إجمالي عدد المصابين.
أما على مستوى المملكة العربية السعودية فقد بلغت نسبة إجمالي المصابين 1.1 % تقريبًا من سكان المملكة، وبلغت نسبة المتعافين أكثر من 97 % من المصابين، وبلغت نسبة الوفيات 2.3 % فقط من إجمالي عدد المصابين.
ولن أقارن هذه الإحصائية بالعديد من الأمراض والأوبة المستوطنة، وما تزهقه من أرواح سنويًّا، ولكن سأسلط الضوء على ما أعلنه برنامج الأغذية العالمي عند قبوله جائزة نوبل للسلام بأنه يخشى «جائحة جوع» أخطر من كوفيد-19. فحسبما نشر في يورو نيوز حذر البرنامج عند قبوله جائزة نوبل للسلام في حفل أُقيم عبر الإنترنت بسبب فيروس كورونا المستجد من «جائحة جوع»، ستكون أسوأ من كوفيد-19. فماذا عمل العالم حيالها.
وفي المملكة العربية السعودية أعلنت الهيئة العامة للغذاء والدواء يوم (الخميس) 25 ربيع الآخر 1442هـ، الموافق 10 ديسمبر 2020م، موافقتها على تسجيل لقاح «فايزر-بيونتيك» لفيروس كورونا بعد أن تقدمت شركة «فايزر» لطلب الموافقة على تسجيله؛ لتتمكن بعد ذلك الجهات الصحية في المملكة من استيراد اللقاح واستخدامه.
وجاء قرار موافقة «الهيئة» على تسجيل اللقاح وإتاحة استخدامه استنادًا إلى البيانات التي تقدمت بها شركة «فايزر»؛ إذ باشرت الهيئة بعد اكتمال المتطلبات واستكمال عمليات مراجعة وتقييم ملفات التسجيل من جوانب عدة، وعلى ضوء ذلك، وبعد مناقشتهم الموضوع من جميع جوانبه الفنية والعلمية، قررت لجنة تسجيل شركات ومصانع الأدوية ومنتجاتها الموافقة على تسجيل اللقاح، والسماح باستخدامه، وأنه لن يكون إجباريًّا، وأن الهيئة تدرس كذلك اللقاح الصيني، وحال استكمال الدراسة سيتم الإعلان عنه.
ومن الواضح من هذه الخطوات أن حكومة المملكة لم تنسَق وراء الدعاية الإعلامية للقاحات الخاصة بكورونا؛ فتعاملت بروية؛ إذ أشارت في مبررات الموافقة إلى أنه خضع لدراسة وتقييم خبراء الهيئة السعوديين والأجانب، كما كشف المتحدث باسم صحة المدينة أن المستهدفين في الربع الأول من 2021 هم ممن أعمارهم فوق 65 سنة، والممارسون الصحيون، ومن لديهم سمنة مفرطة أو نقص في المناعة أو أمراض مزمنة.
وأشار إلى أن الفئة المستهدفة للقاح كورونا في المرحلة الثانية من نهاية الربع الأول حتى نهاية الربع الثاني من 2021 ممن هم فوق 50 عامًا ممن لديهم أحد الأمراض المزمنة (الربو، السكري، الكلى المزمنة، القلب المزمنة، الانسداد الرئوي المزمن، السرطان النشط).
ولفت إلى أنه سيتم منح لقاح كورونا «فايزر» لجميع موظفي القطاعَين العام والخاص في السعودية من بداية الربع الثالث من 2021.
فيما سيتم منح المعلمين والمعلمات لقاح كورونا من بداية شهر 7 عام 2021م. وسيتوافر لقاح كورونا في السعودية بكميات كافية للجميع بشكل مجاني للمواطن والمقيم في الربع الثالث من عام 2021.
وهذه الفترة ستمنحنا المزيد من الوقت لدراسة نتائجه في بقية الدول التي سارعت وبدأت استخدام اللقاح.
وإن كنت لا أرى هناك ما يستوجب دخولنا في معترك السباق للحصول على اللقاح قبل التأكد التام من سلامته؛ فنحن في المملكة -ولله الحمد- ما زلنا نُحكم سيطرتنا على انتشار فيروس كورونا؛ إذ نشهد انخفاضًا مستمرًّا في عدد الإصابات؛ إذ تراوحت في الأيام القليلة الماضية ما بين 141 - 193 إصابة يوميًّا، وأضعاف هذا الرقم كان يسجل في مدينة واحدة فقط، أي إن المملكة من أقل دول العالم في عدد الإصابات اليومي، ومن أكثرها تعافيًا؛ وهذا نتيجة الدعم اللامحدود من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد -حفظهما الله-، ثم وعي والتزام المجتمع. وأصبح من الواجب علينا مواصلة الالتزام لحين إعلان تعافي آخر حالة -بإذن الله تعالى-.
فنحن -ولله الحمد- نسير بخطى ثابتة للوصول للحالة الصفرية قريبًا -بإذن الله- وأقترح إنشاء جائزة لأول 3 محافظات أو مدن تصل لهذه الحالة وتحافظ عليه لمدة شهر، وكذلك على مستوى المناطق.
ولكن طالما أنه تم تسجيل اللقاح، وما أعلنته منظمة الصحة العالمية بأن مراجعة أي أعراض جانبية للقاحات كوفيد-19 متروكة للسلطات الوطنية في الدول المعنية في معرض ردها على أسئلة تتعلق بتحذير بريطانيا، ومطالبتها من لديهم تاريخ مرضي في فرط الحساسية بتجنب الحقن بلقاح فايزر-بيونتيك، وقالت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية في إفادة صحفية بجنيف: «لكن يتعين ألا يشعر الناس بالقلق أكثر مما يلزم. ضعوا في اعتباركم أن هناك عددًا من اللقاحات المرشحة قادمة على الطريق في الوقت نفسه». كما أنه «قد لا يكون لقاح معين مناسبًا لأفراد معينين، لكنك قد تجد لقاحًا مناسبًا آخر».
إلى ذلك أوضحت منظمة الصحة العالمية أنها تراجع بيانات تجارب المرحلة الثالثة لكثير من لقاحات كوفيد-19 المرشحة.
وشددت على أن المنظمة لم تجِز حتى الآن الاستخدام الطارئ لأي لقاح، ولكثرة القلق والتردد على المستوى العالمي والمحلي، اللذين تقدرهما وزارة الصحة كما أشار مختصوها، ولبث الاطمئنان والثقة بما بذلته وتبذله هيئة الغذاء والدواء في المملكة العربية السعودية، تم إرسال رسائل إيجابية للمجتمع، منها - على سبيل المثال - أن يبادر مسؤولوها وخبراؤها ومسؤولو وزارة الصحة بأخذ اللقاح، وبث ذلك تلفزيونيًّا؛ ما سيسهم في سرعة الاستجابة للتطعيم وقطع دابر الشك والتردد.
لقاحات فيروس كورونا ستوفر بعض الضوء في نهاية النفق، ولكنها وحدها لا تعني نهاية جائحة فيروس «كوفيد-19»، وإنما ستكون اللقاحات والتطعيم أداة رئيسية وقوية إلى مجموعة الأدوات التي تتوافر لدينا.. ولكنها لن تقوم بالمهمة وحدها، ويتحتم علينا، ولأشهر عدة، استمرار الالتزام بالتباعد الاجتماعي، وغسل الأيدي، ولبس الكمامات لمنع انتشار الفيروس.