الرياض- خاص بـ«الجزيرة»:
تعاطي المخدرات والإدمان سلوك اجتماعي فردي يتم اكتسابه بالتدريج، وأن الوقوع ضحية للمخدرات لا يأتي فجأة بل هو عملية مستمرة تبدأ من انحراف أو خطأ بسيط بتقبل تجريب المخدرات بدافع حب الاستطلاع أو بضغط من رفاق السوء، كما أن دورة التعاطي هذه تستمر وتأخذ ضريبتها من سلوك المتعاطي وعلاقاته الاجتماعية ووضعه الصحي.
هذا ما أفاد به الدكتور يوسف النمراوي استشاري الأمراض الباطنية بمستشفى الحمادي بالرياض، الذي ذكر مجموعة من السمات أو الخصائص التي يمكن أن تكون مفتاحاً للتعرف على شخص يتعاطى المخدرات أو يقع تحت ضغط رفاق السوء وسلوكهم المشين، ومنها: احتقان العينين وزوغان البصر، الضعف والخمول وشحوب الوجه، الانطواء والعزلة، الاكتئاب، السلوك العدواني، التعب والإرهاق عند بذل أقل مجهود بدني، العلاقات السيئة مع الأصدقاء، كثرة التغيب عن المؤسسة التعليمية، السرقة، كثرة التغيب عن البيت، النوم أثناء الدروس والمحاضرات، الخداع والكذب، التحليل، وإذا عرف الشباب أنهم إذا استعملوا المخدرات يمكن اكتشافها بسهولة بتحليل عينة من البول أيام عديدة بعد استعمالها أو حتى تجربتها لأول مرة فسوف يمتنع معظمهم عن تجربتها أو استعمالها.
أجهزة التحاليل
ويؤكد الدكتور يوسف النمراوي إلى أن الهدف الرئيسي يأتي لحماية الأطفال والشباب من خطر إدمان المخدرات باستخدام أسلوب جديد بعيداً عن العنف والإجراءات البوليسية، والإقلال من نسبة حوادث السيارات وغيرها الناتجة عن تعاطي المخدرات، كما أنه ينبغي إشراف المؤسسات الحكومية وغير الحكومية على العاملين بها بانتشار أجهزة التحاليل في المدارس والمصانع والمعاهد والمجتمعات والتحليل العشوائي لأفراد المجتمع حتى يمكن أن نقضي على المخدرات لسهولة أخذ العينات عن طريق البول واستمرار وجود المواد المخدرة من أيام لأسابيع بعد تعاطيها، مشدداً على أنه يجب على كل رب أسرة مراقبة أفراد أسرته وملاحظة آثار التعاطي أو الإدمان على أي فرد في الأسرة فإذا اشتبه في أحدهم يقوم بعمل التحليل اللازم، كما يجب أن تفوض للشرطة حق إجراء تحليل المخدرات لمن تشتبه فيهم فتؤخذ عينات بصور عشوائية على الكمائن في الطرق السريعة خاصة لسيارات النقل والأجرة، حيث إن معظم الحوادث الجسيمة لهذه المركبات نتيجة لتعاطي السائقين لأنواع المخدرات المختلفة، والتحليل يكون بعينة بول وليست عينة دم ومن ثم يمكن لأي شخص أخذ العينة بسهولة، إضافة إلى قيام المؤسسات سواء شركات أو مصانع أو أندية أو مدارس أو جامعات وخلافه بعمل تحليل عشوائي بهدف الردع.
أنواع السموم
ويبين د. النمراوي أنواع السموم التي يتم الكشف عنها بالتحاليل، حيث توجد أنواع كثيرة من المواد المخدرة والمتعارف عليها، ومن أشهر هذه الأنواع خمس مجموعات: مجموعة (OPIATES) وتشمل هيروين/ مروفين/ كودايين، ومجموعة (AMPHETAMINS) المواد المنشطة، ومجموعة (BARBITURATES) المواد المنومة، ومجموعة (BENZODIAZEPIN) المواد المهدئة، CANNABINOID ومجموعة الحشيش/ البنجو/ مارجوانا.
وتعتمد مدة بقاء المادة الفعالة للمخدر داخل الجسم على عدة عوامل أهمها الحالة الصحية العامة للشخص وسنه وخاصة حالة الكبد والكلى نوع المخدر، وهل المتعاطي مدمن أو يتعاطى لأول مرة أو يستعمل المخدر بصورة غير مستمرة على سبيل المثال، فالبنسبة للحشيش والبانجو والماريجوانا تستمر المادة الفعالة في جسم المتعاطي لأول مرة من يومين إلى ثلاثة أيام (يمكن ظهورها أيضاً بعد خمسة أيام) أما في حالة المتعاطي اليومي والمعتاد فتستمر عادة لمدة أسبوعين ولكن يمكن أحياناً ظهوره بعد مدة أطول تصل إلى ستة أسابيع مع بعض الأجهزة الحساسة، أما الأفيون وتستمر المادة الفعالة في جسم الإنسان في حالة التعاطي أول مرة من يوم إلى يومين، أما في حالة الإدمان فتستمر لمدة أسبوع.
الوقاية
ويشير الدكتور يوسف النمراوي إلى أن الوقاية وبناء الحصانه الذاتية والمجتمعية هي أفضل إستراتيجية لمواجهة المخدرات على المستوى بعيد المدى ووضعنا الوقاية في نهاية المطاف، استشعاراً لأهميتها وتنبيهاً على ضرورة أن تكون في صدارة الاهتمام، وإبراز معلومات حقيقية ومتوازنة حول المخدرات، فيها ترهيب من الاستخدام والتعريف بمضار المخدرات، وكذلك ترغيب بالامتناع والمقاومة وعدم الخضوع لقوى الضلال، وهنا نشير إلى منحنى إصلاحي تعزيزي مع الشباب يقوم على بناء وتعزيز قدرات الشباب الفكرية والاجتماعية والسلوكية، وتنمية ثقتهم بأنفسهم وتبصيرهم بدورهم الاجتماعي العام، وتسهيل سبل الإنجاز والإسهام لهم، وينبغي أن تزداد ثقتنا بالشباب والأطفال، وأن نساعدهم في زيادة ثقتهم بأنفسهم، ولابد من الإسهام في تنشئة جيل قوي واثق من نفسه، يسعى أكثر نحو تحقيق إنجازات إيجابية، وليس مرهوباً أو مسكوناً بالخوف، من ارتكاب أخطاء أو التعرض لمخاطر أو الوقوع فريسة أو ضحية لآخرين. فبدلاً من أن يرى الشباب الحياة مجموعة من المصائد والمكائد أو المخاطر والمآزق يراها منظومة من الفرص والتحديات والعتبات التي يتجاوزها ويكتسب في كل خطوة قوة أكثر، واعتزازاً أكثر، واندفاعاً أسرع نحو آفاق أعلى من الإنجاز.
التعزيز والقدوة
ويقدم د. النمراوي عدداً من المقترحات، المعززة لعناصر المناعة لدى الشباب قد تبين لنا أن ضعاف الشخصية والذين لا يعرفون أن يقولوا لا، أو يرفضوا إغواء أصدقائهم، أو الذين هم في مأزق ومشاكل اجتماعية أو تعليمية ولا يمتلكون مهارات التعامل معها، أو حلها مثل هؤلاء هم أكثر عرضة للوقوع فريسة للمخدرات من غيرهم من الناس، وإن من أفضل الأشياء التي يمكن عملها لتعزيز قدرات الشباب وجعلهم يتخذون قرارات ذكية تجاه المخدرات بما فيها التدخين هي تمكينهم واحترامهم، وتعزيز فرصهم في المشاركة والإسهام الايجابي في خدمة أنفسهم، وأسرتهم ومجتمعهم.
وفي منظومة المكافحة الشاملة للمخدرات ينبغي أن يكون للأسرة دور فاعل ومعتبر، فالأسرة تمثل خط الدفاع والحصانة الاجتماعية الأولى والأبرز، ولهذا تكون جهود المقاومة والمكافحة ناقصة وعرضة للفشل إن لم تكن الأسرة واحدة من أركان هذه الجهود، ونشير هنا بإيجاز إلى ما يجب عمله مع أسر المتعاطين وما يجب أن تعمله هذه الأسر.
ابتداء نقول إن طبيعة السلوك داخل الأسر وخاصة سلوك الوالدين لها تأثيرات كبيرة على بقية أفراد الأسرة، وأول ما ينبغي تأكيده هنا هو القدوة والمثال الذي يمثله الوالدان لابد أن يكونا القدوة في السلوك قولاً أو فعلاً، ودراسات التعاطي تبين أن الأطفال الذين يعيشون في أسر يوجد فيها متعاط خاصة أحد الوالدين تكون احتمالية التعاطي أكبر، وأول حصن للوقاية هو القدوة الحسنة من قبل الوالدين وبقية أفراد الأسرة.
ويتضح من عدد الدراسات والبحوث العلمية حول السلوك المنحرف أن لطبيعة ممارسات الوالدين أثرها على ذلك السلوك، فقد لا يحسن الوالدين تربية الأبناء، أو يتصف أسلوب معاملاتهم بالقسوة أو العنف أو التسيب أو التدليل، أو قد يتسم جو الأسرة بالشحناء والتباغض والقول السيئ.
إن الإيذاء اللفظي بالسب أو اللعن أو الإهانة أو وصف الأطفال بصفات مكروهة في هذا قتل لنفسياتهم وشخصياتهم، وما ينبغي الإشارة إليه هنا هو أهمية توعية الوالدين وتبصرهم وتدريبهم على مهارات الأبوة والأمومة، وحسن التعامل مع آبائهم، خاصة مع الأطفال في سن النماء والتنشئة والتغيرات الجسدية والعاطفية ما تسمى مرحلة المراهقة، حيث إن سوء معاملة الأسرة قد يدفع الأبناء إلى مصادر التوجيه والاهتمام خارج الأسرة، حيث رفاق السوء وقناصو الانحراف، كما ينبغي -أيضاً- في الجهات المهتمة والمسؤولية أن تساعد الأسر التي فيها متعاط، حيث إن الظروف الاجتماعية والاقتصادية السلبية قد تكون عبئاً ثقيلاً على هذه الأسر فلا تسمح لها بتقديم الرعاية المناسبة لأطفالها، فلا نتوقع أن تؤدي الأسرة دورها، وهي في ضائقة مالية، أو في ورطة اجتماعية، فلابد من حل هذه الأسر أو مساعدتها في حل مشكلاتها، وإكسابها أساليب أفضل للتعامل والتواصل، وكذلك إكسابها قدرات ومهارات تساعدها في تحسن اقتصادياتها وارتباطها بالمجتمع، وينبغي رفع الكفاءة الاجتماعية للأسرة من حيث توثيق ترابطها مع المجتمع المحلي، ومؤسساته وموارده، وتحسين علاقتها بالجوار، وجعل الجوار منظومة متساندة متعاضدة فهي تعمل جميعها في سبل تحقيق مصالحها كلها، ومواجهة ما يعترضها من مصاعب.
وأمر هام ينبغي الالتفاف إليه وهو أن يكون التركيز في العمل الأسري على كامل الأسرة، وليس على الفرد المتعاطي، فالتركيز على المتعاطي فيه استحياء للمشكلة وجعلها في دائرة الضوء باستمرار وبالتالي جعل المتعاطي هو المشكلة المستمرة، ولكن التركيز على الأسرة يجعل الاهتمام أوسع، ويجعله منهجياً نحو تحقيق تغييرات إيجابية إصلاحية في بناء الأسرة، وما يجعل إصلاح المتعاطي نتيجة طبيعية لهذه الجهود، ومنها إشعار له بطبيعتها وليس بإشكاليته وسوء صنعه أي ينبغي أن يتم بناء وصناعة بيئة صالحة مقاومة للانحراف، وفي الوقت نفسه مساندة للمخطئين ليقلعوا عن خطأهم طوعاً وبالتدريج.