عطية محمد عطية عقيلان
نتبادل قصص الكرم العربي على مر التاريخ وتشتهر قصة حاتم الطائي بذبحه لفرسه إكراماً لضيفه وذهب اسمه ليضرب به المثل على الكرم ويرسخ في أذهاننا ويرتبط بها، وأصبحنا نقيم الأشخاص ونطلق عليهم لقب كريم بما يقدمه من الطعام والشراب لضيوفه، إلا أن مفهوم الكرم أوسع وأكبر من مجرد تقديم الطعام وإن كان من ضمنها وأفضل وأعلى درجات الكرم والجود التي يمكن أن نقدمها في حياتنا هي ما نبذله من جهد ووقت ومال وتسامح ولين وعطف في سبيل مساعدة كل محتاج وتقديم يد العون والنصح والرأي لهم، بل أيضاً من الكرم كف ألسنتنا عن ذكر عيوب الآخرين وشتمهم والنميمة وفضح أسرارهم وإزعاجهم وتعكير مزاجهم والعبوس في وجوههم، بل إن الكلمة الطيبة والمدح والثناء على كل فعل أو قول جميل من صفات كريم النفس، وتعجبني مقولة المثل الشعبي «لاقيني ولا تعشيني» كناية أن حسن الاستقبال والبشاشة والاحترام والتقدير مكانتها ووقعها أكبر على النفس من مجرد تقديم الطعام بدون بشاشة في الاستقبال، لنحاول أن نطبق مفهوم الكرم بشكل أشمل وأوسع وعدم حصره بالطعام وتحويله إلى مجرد كرم غذائي أو كما قال الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- «الكرم العربي ظاهرة غذائية» فنجود بموائد طعام ممتدة وغذاء مهدر بإسراف وتحمل ديون والتزامات مالية فوق قدرتنا وفي المقابل شح في التعامل وبخل في مساعدة الأقارب والأصدقاء وعدم التسامح والتغافل والتدقيق في علاقاتنا معهم رغم ما نقوم به من كرم غذائي بلا حدود. فلنحرص على تنمية وإشاعة الكرم السلوكي من حسن المعشر والتعامل باللين وصون سمعة من نعرف والاحتفاظ بجميل القصص عنهم ولنمارس أعلى درجات السخاء والكرم في ذكر الصفات الإيجابية والمواقف الحسنة لهم لأنها تغطي عيوبهم ولنتدرب على الكرم في أخلاقنا وصفاتنا وردات أفعالنا ونطورها كما نفعل مع موائدنا بالحرص على تنوعها وجمالها ولنتذكر قول الإمام الشافعي رحمه الله «تستَّر بالسخاء فكلٌّ عيب يغَطيه كما قيل السخاء»، المهم أن نطبق الكرم والسخاء على كافة المستويات سواء الغذائية حسب القدرة أو الأخلاقية وهذه متاحة وبمقدرة الجميع، ولنتعود أن نمارس أقصى درجات الكرم في التعامل باستخدام اللين والتغافل والتسامح مع من حولنا ولنكون كريمين في كل صانع معروف وصديق على ما قدمه من دعم وخير لنا ورد جميلهم بذكر محاسنهم ومثالبهم بمنتهى الكرم ونبخل في ذكر سيئاتهم وعيوبهم، ولتكن حياتنا مليئة بقصص الكرم الأخلاي والخير والمواقف الإيجابية لمن حولنا بعيداً عن البحث وتطوير الكرم الغذائي فقط والبخل الأخلاقي، علماً أن الكرم في التعامل وحسن المعشر والمساعدة وقعها أكبر ولا تحتاج تكلفة واستدانة وتحميل أنفسنا فوق طاقتنا مجاراة للآخرين لكسب ودهم والتفاخر المزيف، واستبدالها وتحويلها إلى كسب صفات إيجابية كريمة في تعاملنا ودعمنا لمن حولنا، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية أسوأ أنواع الكرم هو «كرمك في إهداء حسناتك للآخرين غيبة ونميمة وبهتاناً وسباً وشتماً».