اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
والهاجس العثماني لحزب العدالة والتنمية وجد في التنظيم الإخواني ضالته ليستعيد الأول هيمنة الأتراك على المنطقة، ويصل الثاني إلى السلطة في ظل هذه الهيمنة حيث يرى أردوغان أنه الحامي والمناصر للإخوان المسلمين في المنطقة في حين يرى فيه الإخوان النموذج الديمقراطي الناجح في بلد علماني ينطلق نظام الحكم فيه من خلفية إسلامية.
والحلم التركي باستعادة المجد العثماني دفع تركيا إلى إقامة علاقات وتحالفات مع مختلف تنظيمات الإسلام السياسي وفي مقدمتها تنظيم الإخوان المسلمين الذي يحرص النظام التركي على تطوير العلاقة معه، سواء على المستوى الدولي أو على مستوى المنطقة العربية، حيث تلقت التيارات الإسلامية التشجيع والدعم من قبل تركيا أثناء موجة الربيع العربي في عدد من الدول العربية إلى الحد الذي وصل بها إلى المراهنة على هذه التنظيمات والترويج لها في المحافل الدولية، كما نظرت إليها بأنها حجر الزاوية لتنفيذ مشروعها في المنطقة وفي الوقت نفسه نصبت نفسها ضامناً لها أمام القوى الراعية لمشروع الشرق الأوسط الجديد.
ومن الغريب والأمر المريب أن التنظيم الإخواني الذي يلهث وراء سراب السلطة متسربلاً بسربال الدين جعل جل اهتمامه وشغله الشاغل التبعية للأجنبي والتنصّل عن انتماءاته الدينية والقومية والوطنية مغلفاً أهدافه بالشعارات الدينية التي هو ابعد ما يكون عنها دون أن يأخذ في حسبانه هذا التنظيم أن التنصل من القومية العربية وقتل الروح الوطنية سيؤدي إلى تدمير الأمة العربية واستباحة مقدرات وثروات الوطن العربي، كما يتضح للمشاهد إرهاصات هذا التدمير وهذه الاستباحة منذ الاحتلال الأمريكي للعراق والتدخل الصفوي والتركي في هذا البلد وما تلى هذه الفترة من فوضى سياسية وأحداث دامية بما يُسمى بالربيع العربي.
ومن المعروف أن في كل دولة عربية يوجد جماعة تنتسب إلى تنظيم الإخوان المسلمين المعروف بممارسته الخيانية ومغامراته الإرهابية التي كشفتها أحداث الربيع العربي، وعندما افتضح أمر ضلوع هذا التنظيم في مؤامرة الشرق الأوسط الجديد والتبعية لحزب العدالة والتنمية التركي، مشكلاً طابوراً خامساً يعمل في الخفاء والعلن لصالح الأجنبي ضد الوطن العربي الذي ينتمي إليه مهدداً الأمن الوطني لكل دول عربية والأمن القومي للأمة العربية جميعاً، عندئذ صح العزم من بعض الدول العربية على التعامل معه بوصفه تنظيماً إرهابياً لقاء خيانته الوطنية وتبعيته للقوى الأجنبية.
وعلاقة تنظيم الإخوان بالنظام التركي ومشاركة هذا التنظيم لحزب العدالة والتنمية في التخطيط لتدمير الأمة العربية والهيمنة على أوطانها تجاوزت الحدود والحسابات سواء في إطار الطموحات التركية وهاجسها العثماني أو ضمن مخطط القوى الاستعمارية ومشاريعها في المنطقة الأمر الذي أصبح معه هذا التنظيم طابوراً خامساً يعمل لصالح الأعداء من الداخل أو يقاتل إلى جانب هؤلاء الأعداء من الخارج.
ومشاركة تنظيم الأخوان في تنفيذ المشاريع المعادية للأمة العربية، لم تعد مقصورة على علاقته مع تركيا التي تحتضن التنظيم وتتحدث باسمه، ولا على علاقته بالنظام الإيراني الذي أمعن في تدمير الدول العربية متباهياً باحتلال بعض عواصمها، بل تطورت الأمور إلى إقامة علاقة مع الإدارة الأمريكية في عهد أوباما، حيث كشف الوثيقة السرية المسربة عن هذه العلاقة من خلال بيان تفاصيل مخطط سري لهذه الإدارة راهنت فيه على تنظيم الإخوان للتحكم في المنطقة وتدمير دولها بالتعاون مع النظام التركي والنظام الإيراني والنظام القطري كما حصل فيما يعرف بالربيع العربي.
والنظام التركي يشترك مع النظام الإيراني في تنفيذ المشروع الخاص بكل منهما في استخدام الوكلاء والأذرع والإرهابيين والمرتزقة، كما يجمع بينهما المتاجرة بالدين وبالقضية الفلسطينية، أما النواحي المذهبية والأديولوجية فلكل منهما أسلوبه الخاص في الترويج لها والعزف عليها في حين يلتقيان في الأهداف الإستراتيجية والأطماع الاقتصادية والتطلعات الجيوسياسية بصرف النظر عن الاختلاف في المناطق المستهدفة والتباين النسبي في الأجندة وطبيعة الأهداف، بالإضافة إلى أن التاريخ والجغرافيا والتجاور لها دور كبير في تأجيج المشاعر وتحريك الثأرات الغابرة والأحلام الحاضرة بالنسبة للأتراك والفرس تجاه العرب.
والواقع أنه بقدر ما يتمتع به الوطن العربي من موقع إستراتيجي ويتوفر على أرضه من ثروات اقتصادية وموارد طبيعية على رأسها مصادر الطاقة من النفط والغاز بقدر ما تحول مسرحاً للمشروعات والمحاور والأحلاف الإقليمية والدولية التي يحاول أصحابها ملء فراغ القوة الحاصل بسبب الضعف والانقسام العربي وذلك في سبيل الاستفادة من إمكانات هذا الوطن والتحكم في مجريات الأحداث على أرضه ورسم خرائط المنطقة بشكل يتعارض مع مصالح الأمة العربية، وذلك نتيجة لغياب المشروع العربي الذي يحسب للأمور حسابها ويضعها في نصابها.
والأمة العربية نتيجة لتفككها وغياب مشروعها أصبحت فريسة لما يحاك ضدها من مؤامرات ظالمة واعتداءات غاشمة حتى أنها صارت مضغة على الألسن ومرتعاً خصباً لتندر الأمم الأخرى، مما يتطلب من هذه الأمة إصلاح ذاتها ومراجعة حساباتها والإعداد والاستعداد لمواجهة المشروعين الإيراني والتركي الزين دأب القائمون عليها على المزايدات والمتاجرات وتارة يرفعون شعار المقاومة، وتارة ثانية يتاجرون بالقضية الفلسطينية، وتارة ثالثة يستخدمون المذهبية والطائفية، فتارة رابعة يستخدمون الإسلام السياسي إلى الحد الذي مكنهم من خلق محاور سياسية ومليشيات شبه عسكرية داخل الوطن العربي، مستغلين وجود المشروعين الإسرائيلي والاستعماري في المنطقة من جهة والفوضى التي تعصف ببعض الدول العربية من جهة أخرى.
ومن الواضح أن التدخلات الأجنبية في كل من العراق وسوريا وبالتحديد التدخل الإيراني والتركي، جعلت الأمن القومي العربي في مهب الريح انطلاقاً من أن هاتين الدولتين تشكلان خط الدفاع الأول عن الأمة العربية ضد ألد أعدائها الذين يتربصون بها الدوائر للانقضاض عليها، كما هو الحال في هذه المرحلة المصيرية التي يتباهى فيها نظام الملالي باحتلال أربع عواصم عربية والنظام التركي هو الآخر لم يقتصر على التدخل في سوريا والعراق، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، متدخلاً في ليبيا وقطر والصومال والسودان.
وفي ظل هذه الوضع القائم والخطر القادم يتعيَّن على الدول العربية أن تعلم علم اليقين أن الأمن الوطني لأية دولة منها لن يستقيم في غياب الأمن القومي العربي للدول العربية مجتمعة، إذ إن الانتماء القومي والروابط والصلات الثقافية والاجتماعية، مضافاً إليها الاشتراك في الهيئات الجغرافية والطبوغرافية الطبيعية تجعل الأمن الوطني والمصالح الوطنية لكل دولة عربية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومي والمصالح القومية للدول الأخرى بسبب العوامل الجيوبوليتكية وما في حكمها.
وانطلاقا من هذه الحقيقة فإن الأمة العربية بمسيس الحاجة إلى أن تستعيد وعيها، وتدرك واقعها وأن تعمل على توحيد كلمتها وتفعيل سياساتها والالتفاف حول قياداتها لكي تتمكن من التصدي لما يحيط بها من مخاطر ويواجهها من تهديدات وتحديات، وما يحاك ضدها من مؤامرات تهدف إلى تقسيم الوطن العربي والتصرف فيه وفقا للمشروعات الأجنبية.