بدر بن عمر العبداللطيف
عام يوشك على الانقضاء، ولم تنقضِ لحظاته وأيامه الحافلة بالأحداث، والتوجس، والتنبؤات بما يحمل المستقبل القادم، قريبًا كان أم بعيدًا؛ فقد مرَّ هذا المزيج غير المتجانس - وربما يبقى - داخل الإنسان، كل الإنسان في هذا العالم، سواء على مستوى الفرد، أو التنظيمات المختلفة، أو حتى على مستوى الحكومات وقادة الشعوب.
فبالرغم من كثرة الأحداث وتعدد الأزمات على الأصعدة كافة، سياسة واقتصادية واجتماعية، خلال العقود الأربعة الماضية إلا أن هذا العام كان مختلفًا بأحداثه وأزماته المتداخلة، والحالة التي وقف فيها الجميع للمواجهة، وإن كان حديث عهد بمن سيواجه، أو حتى بآلية المواجهة. فالبشرية كانت تعيش المشهد نفسه، والمستوى ذاته من المعرفة والحلول الناجعة.. ولو تجاوزنا أغلب الأحداث التي عصفت بالعالم من يناير الفائت من كوارث طبيعية، وردود أفعال، استحوذت على اهتمام ومتابعة المجتمعات البشرية لأهمية الحدث.. لو تجاوزنا كل ذلك، وتوقفنا أمام قضية العام، وما أحدثته جائحة (كورونا) من أزمات في كل اتجاه ومفاصل الحياة كافة على هذا الكوكب.. قطعًا لن يكون توقفنا كالمعتاد أواخر كل (ديسمبر) من كل عام لاستعراض جزء مرّ من أعمارنا، وما يحمله من لحظات على اختلافها.
ورغم ضراوة اللحظات التي توقفت أحيانًا إلا أنه كان مليئًا بالكثير من الدروس والإشارات إلى جوانب قد تكون غابت عن المشهد أمامنا، سواء بسبب عدم المناسبة، أو لأسباب أخرى معلومة أو مجهولة.. فقد أصبحنا بنهايته أكثر إدراكًا ووعيًا بالقيمة الحقيقية والمتزايدة لدور كل فرد منا حين الأزمات، والتداعيات التي تستلزم من كل مكونات المجتمع حراكًا معينًا، من شأنه أن يحفظ الجماعة من تأثير كل أزمة وسلبية كل ظرف، وأحيانًا قد لا يكلف الأمر اعترافًا بإيجابية فرد أو دور آخر، فلم يعد التبصير والإبانة لكل من يجمعنا بهم رابط أو يتواجدون معنا على القارب نفسه أمرًا ثانويًّا.
وفيه أثبت السعوديون أنهم كما وصفهم سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولى العهد - حفظه الله - حين قال ذات مناسبة إن (الشعب السعودي مثل جبل طويق).. فكانوا كذلك حين اشتد الخطب واللحظة الطارئة، لم يلينوا ساعة المواجهة، وكانوا ليِّني الجانب ساعة الوعي بأدوارهم تجاه بعضهم، وأدوارهم جميعهم تجاه وطنهم.. ليتضاعف فيه إيماننا بوطن يضع على رأس قائمته المالية وناتجه المحلي صحتنا وتعليمنا وجميع المقومات التي تضمن لنا ولأبنائنا حياة كريمة، بل يسعى بكل مقدراته وإمكاناته وثرواته لكي تكون تلك الحياة مستدامة وثابتة فوق المعدلات المتوقعة، وعلى أساس قوي، لا تهزه التحديات والظروف المختلفة والمتعاقبة.. لذلك ينتابنا شعور بالاعتزاز حين ينص بيان الموازنة العامة للدولة بشفافية على تخصيص أعلى بنود الإنفاق المقررة لقطاعات التعليم، والصحة، التنمية الاجتماعية، والبنية التحتية..
فهذه القطاعات الحيوية التي يتطلع أي مواطن لتميزها في بلاده هي محط اهتمام مسيّري شؤون البلاد وقادتها، فيتضاعف شعور الاعتزاز آنف الذكر حتى يصل بنا إلى أنظار أبنائنا فيلحظون ذلك، فنورثهم علاقة الانتماء الاستثنائية ما بيننا كمواطنين، وبين وطن كريم وقادة، قدّموا شؤوننا لـ(أولاً).
2020م..
وكما أثبت السعوديون شموخهم المتطاول بامتداد العارض وأعلى.. أثبتت القيادة الحكيمة تحت ظل مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الشاب السعودي الذي مبكرًا سار بنا وببلادنا على أول الطريق الذي سيوصلنا - بإذن الله - إلى نموذج الوطن الذي يبهر الإنسان المتطلع لوطن يليق، وسموه الذي أبهر العالم منذ بدايات حضوره في المشهد السياسي السعودي والدولي؛ ولذلك لا غرابة أن نشد على يده، ونمضي معًا على رؤية وبصيرة، تدفعنا الثقة والانتماء، ويستمد هو كل فكرة مبهرة من هذا الدافع العظيم.
2020م..
سيمضى العام المذكور بعد أيام، وسيبقى إدراكنا ضد النسيان بأن أعتى الاقتصادات في دول العالم ستتأثر دون شك حين تقف ساعة في وجه الأزمة واللحظة نفسها تسعى للحفاظ على مستوياتها ومعدلاتها قدر المستطاع، وتهدف لعدم التوقف عن المضي قدمًا في خططها واستراتيجياتها الهادفة لدوام النمو واستمرارية الزيادة ولو برقم يسير، لكن لا تقف العجلة فتتأثر التنمية وبالتالي ما تحت مسؤوليتها من مواطنين. إضافة إلى أن السعودية - بفضل الله، ثم بفضل أبنائها وقيادتها الأبوية - تمكنت من تحقيق المعادلة الثلاثية، وأبقت مواطنيها بمنأى عن الأثر المباشر والكبير للأزمات.. بل قلصت من مساحات القصور والعجز السابقة للأزمة المقصودة.
2020م..
كان المواطن السعودي -ولا يزال بإذن الله- يحظى بعمل وجهد لا يتوقف من قِبل العشرات من الجهات المكلفة باتخاذ كل سبل الحفاظ على أمن وصحة وسلامة كل السعوديين والمقيمين، وكلٌّ فيما يخصه، فكانت الصحة الوزارة والقائد الذي نجح في تحقيق ما لم يتحقق للأقطار المصنفة كنخب طبية، واستمرت الخطط والتنفيذ لما يستدعيه الموقف من قناطير الوقاية والعلاج والتوعية، وقبل نهاية العام والجائحة ها نحن من أولى الدول التي وفرت اللقاح المضاد للفيروس على نفقة الحكومة.. الحكومة التي دفعت قبلها مئات الملايين للمنظمات العالمية الصحية والخيرية لتقوم بأدوارها نحو الإنسانية أجمع.. ليس هذا فحسب، بل تخلت عن بعض مصادر الناتج المحلي لتحقيق المعادلة وبرهان جديد على أهمية من وضعتهم الأولوية رقم (1).
فدام العز لبلد العز بإذن الله.
** **
- كاتب سعودي