سهوب بغدادي
فيما تكمن أهمية علم الترجمة في عدد من الأمور منها، نقل الإرث العلمي والأدبي بين الحضارات من لغة إلى أخرى، كما تعد الترجمة أداة تواصل بين الشعوب وتقاربهم، في حين تسهم الترجمة في وصول وتناقل الأخبار من جميع أقطار العالم مكان في العالم. وألفت انتباهكم إلى أن الترجمة علم وفن، بالمعنيين الاصطلاحي والإنشائي. باعتبارها علماً يدرس لسنوات طويلة ويتطلب الاختصاص في بالدراسة والتبحر في مصطلحات وأساليب اللغتين المصدر -لغة أ- والهدف- لغة ب- فضلا عن كون اللغة تخرج عن كونها مجموعة من المفردات والقواعد النحوية والصرفية، بل هي أكثر من ذلك فاللغة ثقافة وأدب وحضارة شعب، لذا يبرز المترجم البارع في نقل جل ما سبق ذكره في إطار واحد إلى اللغة الأخرى بما يقابلها من المعايير نفسها وإن كانت تحمل في طياتها أو ظاهرها اختلافاً، إذ تتطلب العملية حضور الذهن والخبرة وسلاسة التعبير والضلوع بثقافة اللغتين. بمعنى أن التحدث بلغة ما لا يعني بالضرورة قدرة المتحدث على الترجمة، استناداً إلى وجود عدد كبير من النطاقات التي تتطلب المصطلحات المختصة كالسياسية والاقتصادية والطبية والهندسية والأدبية والدينية وما إلى ذلك، ريثما تندرج هذه النطاقات ضمن نطاقين إما ترجمة تحريرية (كتابة حرفية أو بتصرف أو تلخيصية) أو شفوية (فورية أو ثنائية). وكل هذه الأمور يتم تأهيل المترجم عليها أثناء الدراسة والتدريب. إلا أننا نرى العديد من الجهات تعمد إلى توظيف أصحاب التخصصات الأخرى ممن لديهم اللغة المطلوبة باعتبار أنهم يتحدثونها فقط، ولكن ليس كل من يتحدث اللغة متمكن من سبر أغوار بحورها، لذا نرى صنعة الترجمة حادت عن كونها فناً إلى نظام فزعات. فكم من كتاب فقد روح الكاتب، وكم من نص بهت رونقه نتاج النقل الحرفي أو بسبب ترجمة (العم جوجل)! ويسعني في هذا النسق أن أعرج على لغة الإشارة والمترجمين المنتمين لهذه اللغة الجميلة، حيث لمسنا أهمية لغة الإشارة منذ بداية الأزمة العالمية بتفشي فيروس كورونا المستجد، علاوة على وجود المترجم إلى جانب المتحدث الرسمي للصحة سعادة الدكتور محمد عبدالعالي، حيث كان يظهر المترجم من خلال نافذة كما جرت عليه العادة، إلا أن أهمية الحدث وتطلبه لضمان إيصال المعلومة على أتم وأكمل وجه يعد إحدى أساسيات التوعية المؤدية إلى تلافي تداعيات الجائحة، إذ قامت وزارة الصحة مشكورة بجعل المترجم يقف شخصياً بجانب الدكتور عبدالعالي ليشغلحيزاً من الصورة لأصدقائنا ضعاف السمع والصم. من هنا، يجدر بالمختصين والجهات المختصة العمل على إرساء أسس لجودة الترجمة المقدمة ومعايير للمترجمين خلال التوظيف فلا يكون مصطلح الترجمة فضفاضاً إلى هذا الحد، كما ينطبق هذا الأمر على لغة الإشارة السعودية التي تحتاج إلى إرساء أسس متعارف عليها بين مجتمع ضعاف السمع والصم باعتبارها لغة قائمة بحد ذاتها وفق دراسة أقيمت في جامعة جالوديت الأمريكية على الطلبة السعوديين الدارسين بها، بحسب ما أفاد به سعادة الدكتور عبدالعزيز القحطاني المختص في التربية الخاصة وتعليم الصم. يجدر بالذكر أن جالوديت أول جامعة مختصة بتعليم ضعاف السمع والصم، ويتم تعليم ما يزيد عن 40 تخصصاً بدرجات مختلفة بلغة الإشارة الأمريكية. حيث تبتعث المملكة المواطنين من ضعاف السمع والصم لها ليكونوا أعضاء فعالين في المجتمع ويسهموا في رفعة وازدهار الوطن الحبيب. أخيراً، أحث وزارة الثقافة وخاصة هيئة الأدب والنشر والترجمة على إيجاد حل استدراكي لهذه الإشكالية التي تعترض المترجمين ومهنتهم العزيزة على قلوبهم وعقولهم بإيجاد المعايير الملزمة للجهات والأعمال الأدبية وجميع النطاقات المتداخلة في هذا السياق.
«العمل الأصلي خائن للترجمة» (خورخي لويس بورخيس، كاتب أرجنتيني)