أ.د.عثمان بن صالح العامر
صدقوني هذه ليست مزحة، ولا هي مجازفة مني في طرح هذا الموضوع الذي قد يعده البعض موضوعاً لا يستحق أن أتحدث عنه، بوصفه همًّا وطنياً يجب على جامعاتنا السعودية الالتفات إليه.
نعم كثير منا ينظر إلى مادتيْ الخط والإنشاء أو التعبير على أنهما مادّتان لا قيمة لهما، فهما في النهاية مضمّنتان مواد أخرى لها دور مباشر في تنمية مهارة الكتابة والتعبير لدى الطلاب، والحقيقة خلاف ذلك تماماً، إذ إنّ هاتين المادتين تجعلان الطالب يعرف أنواع الخطوط ويجيد فن الإنشاء ويملك القدرة على التعبير والحديث في الموضوع الذي يطرح بين يديه أياً كان، وبكلّ طلاقة وثقة وجرأة وفصاحة وبيان.
وحتى أعزّز طلبي هذا أتمنى من كل جامعة أن تطلب في يوم اللغة العالمي من جميع طلابها وطالباتها أن يكتبوا موضوعاً إنشائياً عاماً يمكن للجميع أن يبدعوا في الكتابة فيه، يتوافق مع سنّهم، ويتلاءم مع مستواهم التعليمي، وبعدها يكون القرار، ومن معايشة واطلاع أتوقع أننا سنجد:
* سوءًا في الخط تختلف نسبته من جامعة لأخرى، ومن تخصص لآخر، بل من فصل لفصل.
* ضعفًا في التعبير، إذ يعاني بعض طلابنا شحاًّ في المصطلحات، وركاكة في الأسلوب، وعدم اتساق في العبارات جراء قلة القراءة، أو أنهم يقرؤون ولكن ليست تلك القراءة الحرة التي تنمي الملكات، وإنما الموجهة التي تقع في دائرة الواجب الذي يعدّه الطالب حملاً ثقيلاً على كاهله.
* وعن الأخطاء الإملائية والنحوية فحدّث ولا حرج.
لقد أثّرت التقنية الحديثة في جمالية الخط العربي، فصرنا لا نرى من بين طلابنا من هو جميل الخطّ إلا نادراً، بل إنّ هناك البعض منهم لا تستطيع أن تفك ما كتب، والأدهى والأمرّ أنه ربما يجد هو نفسه صعوبة في قراءة شيء مما خطته يمينه للأسف الشديد.
كما أنّ تسطيح الفكر وصرف الأذهان للأدنى من الاهتمامات، جعل الذائقة التعبيرية عند أبنائنا وبناتنا طلبة الجامعة، أقل مما هي عليه لدى جيل الطيبين، واسألوا إن شئتم صفحات الإبداع وملتقيات المثقفين والأدباء عن طلبة الجامعات قبل عشرين عاماً أو يزيد، وجزماً ستلحظون أنّ البون شاسع بين ما كان وما هو عليه الحال اليوم.
إنّ من يقدمون في المناسبات الجامعية أو من يشاركون في الأنشطة الطلابية ذات الصلة بهذين الموضوعين «الخط والتعبير»، لا ينطبق عليهم شرط القياس ومن ثم تعميم النتيجة، وذلك لسبب بسيط ولكنه مهم، ألا وهو أنّ هؤلاء الطلاب يتم اصطفاؤهم من قِبل أساتذتهم بعد جهد جهيد، وهم أصلاً لديهم الرغبة وعندهم الملكة التي تدفعهم للمشاركة والحضور فضلاً عن أنّ عددهم قليل جداً. وأنّ غالبيتهم يلقون ما يكتب لهم أساتذتهم، أو ينقلونه من مسموعاتهم بعد أن أعجبوا بالسجع وجدية الكلمات.
وحتى لا أعلق الأمر على مبادرات جامعاتنا السعودية فحسب، فإنني أهيب بأولياء الأمور، أن يُجري كل منهم لأولاده الذكور والإناث الذين يدرسون في الجامعة اختباراً في التعبير، ويطلب منهم الكتابة بأي نوع هو يختاره من أنواع الخطوط المعروفة والمتداولة، وبعدها هو من يتخذ القرار الأُسري الذي يراه لجعل خطوط أبنائه وبناته على الأقل يمكن قراءتها بسهولة ويسر.
الشيء الذي يجب أن نلفت الانتباه له هو أنّ من الطلاب من يعرض نفسه للرسوب أو يخسر جزءًا من الدرجة، لأنه لم يستطع أن يكتب الفكرة التي في ذهنه بشكل صحيح، فيعجز أستاذ المادة عن قراءة المكتوب، الأمر الذي يضطره لخصم درجات منه، أو أنّ الطالب هو من يشعر بالعجز إزاء إيصال الإجابة بخط مقروء فتجد ورقته مشوّهة مليئة بالكتابة والمسح، وهذا ما الحظه هذه الأيام من طلاب الدراسات العليا في العلوم الإنسانية وغيرهم من باب أولى ولذا قيل قديماً: «الخط الجميل يزيد الحق وضوحاً». دمتم بخير، وإلى لقاء والسلام.