الحديث عن محمد العباس الكاتب والناقد السعودي، هو الحديث عن فكره وقلمه، المتمثِّل في مؤلفاته وكتاباته النقدية المتعدِّدة الاتجاهات. هو حديث عن مؤلفات استودعها عصارة فكر وتمثّلات رؤى فكان منها: «قصيدتنا النثرية» و«ضد الذاكرة: شعرية قصيدة النثر» و«سادنات القمر: سرانية النص الشعري الأنثوي» و»نهاية التاريخ الشفوي» و«كتابة الغياب: بطاقة مكايدة لوديع سعادة» و«سقوط التابو: الرواية السياسية في السعودية» و«مدينة الحياة: جدل في الفضاء الثقافي للرواية السعودية» ..... كان ناقداً متعدد التوجهات، جاب عالم الشعر والرواية والقصة القصيرة والمقالة والمسرح، وجابت مؤلفاته العالمين الورقي والرقمي، عَبَّر بهذا المزيج عن إيمانٍ مطلق بانفتاح هذه الفنون من جانب وتشابكها وتقاطعها من جانب آخر؛ ليخلق بقلمه نسيجاً فنياً، يجسّد به واقع الثقافة وصورة للمثقفين وأشباه المثقفين، فأفصح بهذا عن صورة للنقد البناء وصورة لحالة الثقافة عامة.
تميزت كتابات العباس بأسلوب لغوي خاص، فَمُنحت بهذه الميزة فرادة في عالم الكتابة والنقد، لذا ارتبكت حول كتاباته الآراء، أو أنه أربك من حوله الآراء حتى أنها انقسمت بين مادح وقادح، ولعل جرأة آرائه وقسوتها كانت سبباً في هذا الانقسام حتى إنه كان بحق «المثقف الذي يختلف به وعليه» بهذا المفهوم الذي تبناه تشكلت ملامح كتابته وخطاباته ومُنحت الفرادة والتميز. سكنته الثقافة بهمومها لأنها تمثِّل بالنسبة له خطوة نحو التحضّر وبناء وعي المجتمع. اتسم قلمه بجرأة الطرح فولج به عوالم يصعب ولوجها والكتابة فيها فكتب مقالاً بعنوان «ما يصعب ويجب قوله في الصحوة الشيعية» تحدث في مقاله بكل جرأة وعمق عن واقع المجتمع الشيعي، وهي أرض يتجنب الكتاب السير فيها.
هذه الجرأة والعمق في خطابه النقدي نلمسهما في جلَّ خطاباته فقد استطاع اختراق قضايا اجتماعية كان مسكوتٌ عنها فنبش فيها حتى أخرجها من العمق إلى السطح بأسلوب نقدي اجتماعي ساخر، كما في كتابه المعنون بـ«صنع في السعودية». نلمح هذه الجرأة أيضًا حين حمل قلمه حقائق صادمة عن المثقف وتويتر والواقع المر، صدمنا بتشخيصه لواقع المثقف وقد تخلى عن دوره وترك المجال الثقافي لأشباه المثقفين. فنَّد العباس بقلمه النقدي واقع تويتر الذي فقد عند بعضهم دوره القائم على الانفتاح الحر البنّاء، وأصبح ساحة للعنف اللفظي مما جعله يطلق على مجموع مقالاته التي نشرت في كتاب عنوان «تويتر.. مسرح القسوة» كان يهدف بهذه التسمية المستعارة من «أنطونين أرتو» البحث عن نظيرٍ محسنٍ للحياة الحقيقية وتحرير المجتمع الغارق في بحر تويتر وما يدور فيه من تسطيح للثقافة وانحراف عنها وبها. وهكذا كان محمد العباس المثقف المُختلف به وعليه.
** **
- أ. د. صلوح مصلح السريحي