محمد عبد الرزاق القشعمي
عاد للمملكة في العام التالي ليعمل مفتشاً عاماً في مصلحة العمل والعمال بالدمام التي أسسها الأستاذ عبد العزيز المعمر في العام نفسه. وبعد سنتين تزوج من أم أولاده السيدة بهية الصويغ.
عند إنشاء وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عام 1380هـ/ 1960م انتقل عمله إليها مديراً عاماً لشؤون العمل، وقد قام بالمهام الرئيسية الآتية: نيابة عن وكيل الوزارة لشؤون العمل، كما رأس لجنة إعداد وصياغة مشروع نظام العمل والعمال، ورأس لجنة مشروع نظام التأمينات الاجتماعية، ورأس لجنة إعداد الميزانية العامة، والنظام العام بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية بتكليف من زميله الشيخ ناصر المنقور وزير العمل والشؤون الاجتماعية وقتها.
وفي عام 1384هـ/ 1964م تم إيقافه مع مجموعة من الأدباء وكبار الموظفين، وصاحب في هذه الأثناء الأستاذين عبدالكريم الجيهمان وعابد خزندار، ولمدة سنتين، وخرج مع غيره لعدم ثبوت شيء مما اتُّهم به، واتخذ من مدينة زوجته (المبرز) بالأحساء مقراً له فتعاقد مع شركة سعودي تل مديراً لهاتف منطقة الأحساء، ثم إلى وزارة البرق والبريد والهاتف. كما تولى الإدارة القانونية بشركة (بل كندا) بالرياض، ومستشاراً للشؤون العمالية بشركة (هولزمن).
بعد وفاته بأيام أقام مركز حمد الجاسر الثقافي بالرياض جلسة تأبين له صباح يوم الخميس 26/ 3/ 1429هـ/ الموافق 3/4/2008م، حضره عدد من أصدقائه، ومن بينهم معالي الدكتور عبد العزيز الخويطر الذي قال بعد أن ترحم عليه إنه رافقه عند دراسته بالقاهرة، وسكن معه بغرفة واحدة في دار البعثات السعودية التي كان يديرها المربي عبدالله عبد الجبار، وإنه كان يشتري الكتب المستعملة من سور الأزبكية، وبالذات كتب الفلسفة التي كان يعيدها بعد قراءتها أو يستبدلها بأخرى، وكان يسهر ليله ولا ينام إلا عند الفجر، ولا يحضر أغلب المحاضرات في الجامعة، ومع ذلك يجد ويجتهد وقت الامتحان فينجح مع الأوائل.
وإنه سافر معه في إحدى العطل الدراسية إلى البصرة بالعراق، ونزلا ضيفَين على رجل الأعمال الشهير سليمان المحمد الذكير، وقد رافقهما أحد العاملين لديه، واسمه إبراهيم الجوهر، وكانوا معجبين بنشاطه وحيويته، وبعد مغادرتهم سمعوا بوفاته؛ فأخرج الخويطر من جيبه قصيدة قالها المنصور في رثائه بخط يده، قال فيها:
طيب الله في الزبير ضريحاً
حله... والذخيرة جوهر
جوهر أنت طار في وتليدي
يا سليل الأباة من آل بربر
تحمل الطرس في الصباح وتغدو
كم أمور حللتها لفقير
وجهود بذلتها ليس تنكر
عنتر أنت في الشدائد دوماً
ولقد كنت في الكتابة عنتر
بعد زيارته بالأحساء طلبت من بعض أصدقائه والمهتمين بشعره الكتابة عنه؛ فصدر ملف بجريدة الجزيرة الثقافية وبجريدتَي البلاد والرياض، ومقابلة مطولة معه في مجلتَي اليمامة وصدى طويق. وجمع تلك المقالات وقصائده محمد السيف بكتاب صدر بتقديم من الدكتور حسن الهويمل يحمل عنوان: (من رواد الشعر السعودي الحديث.. عبدالرحمن المنصور) عام 2003م.
قالت عنه ابنته الدكتورة هدى إنه ووالدتها كانا يحثانها على خدمة المجتمع، وتحقيق التكافل الاجتماعي، وإنهما كانا لا يعرفان اليأس أو الإحباط، وإن والدتها قد كتبت قصة عن والدها بعد وفاته، سمتها (رجل الإرادة).. وقالت إنها لا تنسى «.. نصائح والدي الحبيب وتوجيهاته ووقفاته ومساندته لي في أول مشروع اجتماعي في حياتي، وهو مشروع مكافحة أمراض الدم الوراثية في بلدي؛ فقد كان هو من وضع لي خطة سير المشروع، وأهمية أن يشمل فئات ثلاثة بالمجتمع: صناع القرار والأهالي والمسؤولين. وأن يتحرك بالمستوى نفسه في الاتجاهات الثلاث لتحقيق الهدف. هذا هو أبي الحبيب الذي لا ينقطع لساني عن الترحم عليه لما تركه من أثر طيب في حياتي، وأدعو الله أن تكون مساهمته في هذا المشروع الإنساني صدقة جارية له عند الله». وقالت إنها واحدة من أحد عشر ابناً تنوعت دراستهم في الطب والفن، وإنها ما زالت بالرغم من كل شيء تقف لتحقيق مخترعاتها العشر المسجّلة دولياً، التي تطمح إلى أن تجد صداها في مؤسسات التعليم والمراكز البحثية في المملكة. وقالت إنها وزوجها الدكتور حسام السيد قد اخترعا مكملاً غذائيًّا، أسمياه (ينبوع الحياة)، لا مضار جانبية له؛ ليكون البديل لعلاج الهشاشة الضار. وعلمت أن جميع إخوتها وأخواتها تبدأ أسماؤهم بحرف الهاء عدا أكبرهم محمد.
- أول من ترجم له عبد الرحمن العبيد في كتابه (الأدب في الخليج العربي) الصادر في دمشق عام 1377هـ/ 1957م، قال عنه : «أديب، وشاعر، تجسمت فيه معاني الشاعرية الحرة. ولد في الزلفي إحدى بلدان نجد عام 1345هـ، ثم بدأ دراسته، واستمر حتى حصل على الشهادة العالية في الفلسفة والآداب واللغة والدراسات الإسلامية من كلية اللغة العربية [بجامعة الأزهر]، وكذلك حصل على دبلوم في التربية وعلم النفس من معهد التربية العالي للمعلمين بجامعة إبراهيم باشا (عين شمس) بالقاهرة. وقد مكنته دراسته من تسخير اللغة؛ فجاءت في قلمه طيعة، ولاسيما في أسلوبه الشعري الذي يمتاز بالحيوية والانطلاق. والأستاذ عبدالرحمن يميل في اتجاهه الأدبي إلى الواقعية والتجديد، وهو موغل في هذا المضمار إيغالاً جدياً، يندر وجوده في أدبائنا المعاصرين. والشعر يكاد يكون من ألزم خصائصه الفنية، وله ديوان مخطوط بعنوان (تمرد). وشاعرنا اليوم موظف مرموق برتبة مفتش عام بمصلحة العمل والعمال بالدمام».
هذا، وقد اختار له قصيدة (ميلاد إنسان)، ألحقها بالقسم الرابع من الكتاب: نماذج من شعر الخليج، قال في مطلعها:
أنعيش والمحراث والفأس الثليم
والأرض نزرعها ويحصدها الغريم
وكآبة خرساء.. تقضمنا على مر السنين
لا فرحة
لا بهجة
غير الكآبة والأنين.. إلخ.
وسبق نشر هذه القصيدة في العدد الثاني من جريدة (الفجر الجديد) بالدمام 25 رجب 1374هـ/ الموافق 19 مارس 1955م.
- بينما وردت في كتاب عبدالله بن إدريس (شعراء نجد المعاصرون) القصيدة بكلمة العيش والمحراث والفأس الثليم. وقد استبدل حرف النون باللام، فلست أدري أيهما أصح؟
وبعد أن ترجم له وحلل شاعريته «.. واتجاهه الذي بناه من واقع شعره وحياته العامة..» أورد له أربع قصائد، هي: الشبح المذعور، وأحلام الرمال، والأصدقاء، وميلاد إنسان.
- وترجم له عبد العزيز بن سلمة في كتابه (اليمامة وكتابها) ط1، 1426هـ/ 2005م مركز حمد الجاسر الثقافي.
- ترجم له في (موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث.. نصوص مختارة ودراسات) ط1، مج10، واختار له الناقد عبدالله المعيقل في المجلد الثاني (الشعر) قصيدة (ميلاد إنسان) نقلاً من كتاب ابن إدريس، واعتبره من جيل التجديد.
- وترجم له في (قاموس الأدب والأدباء في المملكة العربية السعودية) ط1، ج3، وذكر أن مولده عام 1345هـ، وقال عنه عبدالله الحيدري: «شاعر مقل مجدّد.. يعده النقاد رائد القصيدة الحديثة في نجد؛ إذ نشر قصيدته (أحلام الرمال) في العدد الأول من مجلة اليمامة الصادر في سنة 1372هـ، وتعد أول قصيدة تفعيلة تنشر في المنطقتين الوسطى والشرقية من المملكة. ويراه بعض الدارسين أحد الرواد التنويريين الذين قاموا بمهمة تطوير القصيدة وتحريرها من نمطها التقليدي.
وعبدالرحمن المنصور شاعر مقل جداً، وقصائده المنشورة بما لا تتجاوز عشر قصائد نشرها في المدة من 1372- 1375هـ في بعض الصحف والمجلات السعودية والخليجية، وهي: اليمامة، والفجر الجديد، وأخبار الظهران والإشعاع، وصوت البحرين. ثم انقطع عن النشر، وانشغل بعمله الحكومي.
وكان في نيته وقت ذاك - كما يذكر عبدالرحمن العبيد في كتابه الأدب في الخليج العربي - إصدار ديوان عنوانه (تمرد).
وأذكر أنه عند إعداد كتاب عنه عام 2003 طلبت منه قصيدة جديد؛ لنبشر بعودته للشعر بعد غيبة خمسين عاماً. فأرسل قصيدة ليست بمستوى شعره السابق، وبعد عرضها على الناقد حسين بافقيه نصح بعدم نشرها لضعف مستواها عما سبق.
ولدي صورة شهادة تخرجه من جامعة الأزهر، ونصها:
«المملكة المصرية.. الجامع الأزهر والمعاهد الدينية العلمية الإسلامية. الشهادة العالية لكلية اللغة العربية.
استحق هذه الشهادة الشيخ عبد الرحمن محمد المنصور المولود سنة 1920 في الحجاز/ مكة المكرمة. حنبلي المذهب. بعد أن نجح في امتحانها المنعقد سنة 1371 هجرية/ سنة 1952 ميلادية. وكان ترتيبه فيه مئة وأربعة وثلاثين من مجموع الناجحين، وعددهم مئة وثلاثة وأربعون من المبصرين المنتسبين.
القاهرة - رجب 1372هـ/ مارس 1953م.
شيخ الجامع الأزهر».
ويمتاز شعره بالوطنية والمعاني الإنسانية. وأكتفي بذكر قصيدته «أنا وأنت» التي نشرت في صحيفة أخبار الظهران، العدد 23 في 16/5/1375هـ.
أداجيكم ذاهلاً عن حَقيقتي الراعِبة
وأكتُم حقدي
ونفسي من الحقد كالهوَّة اللاهبة
وأبدو رضياً كأني ملاك
ونفسي من الحقد.. من بغضكم.. صاخبة
وأبدو كنهر رخي المسيرة جرى ضاحكاً
يُداعبُ بالشدو خُضْرَ الضفافِ
ويحنو على الرابية
ولو تكشف السر أعماقه
فكم غمر النهر من جثة شاحبة
ولكنه قد جرى ضاحكاً..
ولم يشكُ أن طهره دنَّسته يد خاطئة.
كذلك أنت تراني
إليك ابتسامي.. وللنوح أعماقيه
وأبدو كبحر
عميق تدفق أمواجه
على الشط تعبث بالرمل كالصبية اللاعبة
وفي جوفه نهم جائع
ولجته هوة للردى.. ساغبة
كذلك نفسي بدت مثله
وفي طيّها نفسي الراعبة
وقلب.. يميت الملامح كالليل.. يمحو الضياء
ويطوي المسالك في برده
ويخفي البشاعة في مجدب
ويخفي رؤى الحسن في مرجه
ولكن شذى المرج هل ينطفئ
وزهر الروابي هل تذبل؟
إذا لفها الليل في برده؟
وذيل النسيم بها يعبق
كذلك نفسي يفوح شذاها
إذا كان فيها زهور وطيب
وإن أفزعت أعيناً.. جثة في العراء
طواها الدجى برداً مظلم
فإن كان عرف النسيم يفوح من النتن كالجثة
فلا تحمد الليل.. إذ هي في الليل قد تختفي
ولكن تنم الرياح عن الميت المختفي
كذلك نفسي يفوح أذاها
إذا كنت فيها زرعت الرمم
وبيض المسالك هل تنطمس
إذا الفجروشى الأعالي بسحر الغلس
وذاب الظلام على نوره المنبجس
وفر من الذعر كالمختلس
كذلك نفسي إذا أنطق
ترى مظلما كالدجى.. يشرق
ومثل كلامي غمام.. جهام
تحجر لا يمطر
ومثل وعودي برق خلوب
تراه الرياض فتستبشر
ولكنه أمل ضائع
وحلم نيامٍ.. إذا استيقظوا.. ينفر