فيصل خالد الخديدي
تعمل عادة المؤسسات الثقافية في معزل عن بعضها بعضًا، وكل مؤسسة وإن اتفقت مع مثيلاتها في أهدافها وأقسامها وحتى مسمياتها إلا أنها تحاول جاهدة في تمييز أنشطتها وخدماتها عن غيرها، فأغلبها تعيش كجزر متباعدة لا يربطها نشاط ولا دعوات، بل ربما تجد في المؤسسة الثقافية الواحدة تباعدًا وتنافرًا بين لجانها وأفرادها. وهذا الوضع ربما يختلف قليلاً في تركيبة جمعية الثقافة والفنون التي عادة ما تكون أكثر حميمية وتصالحًا مع المؤسسات الثقافية الأخرى، فتجد الشراكات بينها وبين غيرها من المؤسسات الثقافية الحكومية والخاصة، فجمعية الثقافة والفنون بفروعها عادة ما تكون بيوتَ خبرة ثقافية فنية وحاضنة حقيقة للمواهب والإبداعات ومنصةً لشتي أنواع الفنون بمختلف الأجيال، بل أصبحت دار إنتاج لكثير من الأعمال الفنية سواء الموسيقية أو المسرحية والفنون الشعبية، فتنوع وثراء لجان الجمعية جعل منها خلية نحل منتجة للعمل الإبداعي.
وفي جمعية الثقافة والفنون بالطائف تعودنا على العمل الجماعي والإدارة التشاركية والعمل بروح الفريق الواحد، فالفكرة تُطرح لتُسمع من الجميع ويشترك الكل في صياغتها وبلورتها ووضع أهدافها ومتابعة نموها، ككرة ثلج تكبر لتصبح واقعاً لا يوقفه عجز مالي أو عقبات إدارية، فرهاننا الأول والأخير هو الفنان المبدع، وهذا ما حدث بالفعل في طرح فكرة فعالية مشتركة بين فروع الجمعية بدأناها مع جمعية الثقافة والفنون بجدة، بدأت الفكرة بطرحها على الزملاء بالطائف واستحسنوها لننتقل للجانب التنفيذي. لجنة المسرح وفرقة مسرح الطائف بقيادة المسرحي سامي الزهراني أبدت استعدادها بجاهزية ثلاثة عروض تم اختيار أحدها مبدئياً، لينتقل الحديث عن جاهزية لجنتي الفنون التشكيلية والتصوير الضوئي لإقامة معرض مشترك لفنانين وفنانات الطائف، وبالفعل أبدى الزملاء في لجنتي الفنون التشكيلية والتصوير الضوئي استعدادهم لمعرض مميز، وما كانت لجنة الفنون الموسيقية أقل حماسًا وجاهزية للفعالية بل جاهزة بكامل طاقمها، وبقية اللجان كعادتهم جاهزون ومساندون لإنجاح أي فعالية. وانتقلنا بعد ذلك مباشرة للخطوة التالية التواصل مع إدارة جمعية الثقافة والفنون بجدة لعرض فكرة تبادل الأنشطة بين الفرعين تبدأ باستضافة فعاليات لمنسوبي جمعية الطائف بجدة تحت مسمى (جينا من الطائف)، وعلى الفور أبدى الأستاذ محمد آل صبيح مدير جمعية الثقافة والفنون بجدة استعدادهم وترحيبهم وحماسهم للفعالية، وخلال أقل من أسبوع تم التجهيز والاستعداد للفعالية.
في ليلة الفعالية المتفق عليها فتحت جمعية الثقافة والفنون بجدة أبوابها وقلوب مبدعيها لفنانين وفنانات الطائف لينثروا إبداعهم في ليلة استثنائية، وبحضور مميز من مثقفي وفناني جدة والطائف بدأت فقرات ليلة (جينا من الطائف) بالمعرض التشكيلي والفوتوغرافي، حيث قدم مشرفو اللجان الفوتوغرافية والتشكيلية الفنان عدنان الخمري والفنان ماجد الشنقيطي والفنان رايد الأحمري حديثًا عن أعمال المعرض، لينتقل الضوء والصوت والاهتمام من الحضور لمتابعة عرض المونودراما (ملف إنجليزي) الذي قدمه وأخرجه الفنان مطر السواط، ومن تأليف الكاتب فهد رده الحارثي وإشراف أحمد الأحمري، ديكور صديق حسن وإضاءة وصوتيات عبدالله دواري وبدر الغامدي ونواف فيصل، وسط تفاعل الجمهور في العرض المسرحي الذي قدم في صالة عرض الفنون التشكيلية، لينتقل الحضور للأمسية الغنائية التي كانت بقيادة مشرف لجنة الفنون الموسيقية بجمعية الطائف وعازف الأورج الفنان عبدالسلام قاسم وتأدية فرقة كورال الطائف، وقدم الفنانان عبدالعزيز بن مانع وناصر العلي مجموعة أغانٍ تفاعل معها الجمهور الحاضر، لتختتم الفعالية وسط كرم ضيافة وحفاوة استقبال بتكريم من جمعية الثقافة والفنون بجدة لضيوفهم من مثقفي الطائف (الأستاذ عبدالعزيز عسيري والأستاذ فهد رده الحارثي والأستاذ أحمد الاحمري)، وتكريم مشرفي اللجان والإدارة بجمعية الطائف. وكرمت إدارة جمعية الثقافة والفنون بالطائف مدير جمعية الثقافة والفنون بجدة الأستاذ محمد صبيح. واختتمت الفعالية بكلمة شاملة ومحفزة لاستمرار مثل هذا الفعل الحضاري من الشاعر الدكتور صالح الشادي.
«جينا من الطائف»... مبادرة هي الأولى من نوعها انطلقت من عروس المصائف الطائف لعروس البحر الأحمر جدة في محطتها الأولى لتبدأ في مد جسور الوصال الثقافي وتحقيق انتشار أنواع الفنون والتعريف بها بين مناطق ومحافظات السعودية متكئة على العنصر البشري في المقام الأول، لم توقفها ضعف إمكانات أو بعد مسافات.