سجّلت هيئة التراث خط أنابيب النفط القديم «التابلاين» في سجل التراث الصناعي الوطني ليكون أول موقع تراث صناعي يتم تسجيله رسمياً في المملكة، تقديراً لأهميته التاريخية ولدلالاته التنموية والاقتصادية المرتبطة بمرحلة بدايات صناعة النفط.
وجاء ذلك بعد مبادرة صاحب السمو الأمير بدر بن فرحان، وزير الثقافة رئيس مجلس إدارة هيئة التراث، واستجابة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز، وزير الطاقة، بإيقاف أعمال إزالة خط أنابيب «التابلاين»، لتمكين هيئة التراث من دراسته وتوثيقه، حيث تولت الهيئة مسؤولية دراسة الموقع وتسجيله.
وأعدت هيئة التراث بطاقة التسجيل المبدئي للتابلاين أول موقع تراث صناعي من بين المواقع الصناعية التي تم حصرها في مختلف مناطق المملكة، تمهيداً لصيانتها والمحافظة عليها لأهميتها الثقافية ولاستثمارها ضمن المعالم الحضارية لتحكي قصة الصناعة والنمو والتطور الاقتصادي في المملكة.
وقدم سمو وزير الثقافة شكره إلى سمو وزير الطاقة على استجابته السريعة في إطار السعي للمحافظة على خط «التابلاين» وشركة «أرامكو»، لكونه من المواقع المهمة في الذاكرة الوطنية.
ويعد خط أنابيب النفط، «التابلاين»، من أهم معالم التراث الصناعي في المملكة، ويمتد من شرقي المملكة إلى شمالها، وقد بدأ إنشاؤه عام 1948م بأمر من الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه - وما تزال بقايا الخط شاهدة على بدايات الصناعة النفطية في المملكة.
وأبرز بحث لدارة الملك عبدالعزيز لأهمية التاريخية والاقتصادية والحضارية لمشروع التابلاين.
وجاء في البحث: «شركة التابلاين هي شركة الأنابيب عبر البلاد العربية، التي أنشأتها شركة أرامكو ووقعت معها المملكة العربية السعودية اتفاقية ملحقة بتاريخ 29 شوال 1382هـ الموافق 24 مارس 1963م وأنجز عام 1372هـ-1952م لمد هذا الخط فوق الأرض لنقل بعض النفط السعودي بعد أن أثبتت الدراسات جدواه الاقتصادية لارتفاع تكلفة النقل في ذلك الوقت، وذلك من حقل بقيق على الساحل الشرقي من المملكة إلى أوروبا التي للتو خرجت من الحرب العالمية الثانية وكانت بحاجة لإعادة الإعمار ومسح ذكرى الحرب المخربة، وإلى أمريكا التي بدأت ملامح قيادتها للعالم تتبلور، فظل (16.000) عاملا ومهندسا وإداريا من السعوديين والأمريكيين وغيرهم يعملون تحت لسع حرارة الشمس وحينا تحت وابل الأمطار لتركيب هذا الشريان الذي يحمل أغلى مادة على الأرض مكتشفة، واحتاج هذا التجمع البشري الكبير إلى خمس سنوات لإكمال التركيب بدءا من عام 1947م-1366هـ، وكان الخط سينتهي في ميناء مدينة حيفا الفلسطينية إلا أن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين (1947م) غيّر مساره إلى صيدا اللبنانية وبالتحديد إلى ميناء الزهراني هناك.
طول التابلاين البالغ (1664) كيلو مترا منها (1300) داخل الأراضي السعودية احتاج حسب دراسات الشركة إلى محطات تقوية الضخ على مسافات متباعدة ومدروسة حتى لا تتوقف أو تضعف عملية التدفق، فأنشأت الشركة سبع محطات هي من الشرق إلى الغرب (القيصومة، الشعبة، رفحاء، العويقلية، عرعر (بدنة)، حزم الجلاميد، طريف) ويعمل على كل محطة مهندسون مختصون وعمال مساندون بنيت لهم وحدات سكنية وخدمية للإقامة والاستقرار وحماية الأنابيب، مدعمة بأسباب الحياة المتكاملة من مراكز صحية صغيرة، ومطارات، ومدارس محدودة لتعليم اللغة الإنجليزية، وملاعب رياضية لكرة القدم والسلة والطائرة، والبلياردو، والجولف، أسهمت في تقديم جرعات من الترفيه لسكان المدن الشمالية المار بها ثعبان الصحراء (التبلاين) فقد نشأت حول مراكز المضخات مدن حضارية أسهمت في حركة توطين البادية التي بدأها الملك عبدالعزيز بصفتها استراتيجية وطنية مهمة في تدعيم الدولة وإنمائها، ومن تلك المدن «عرعر» المركز الإداري للحدود الشمالية التي اكتسبت اسمها من الوادي الذي تقع عليه، كما أنشئت سينما مسائية متاحة للعاملين في التبلاين والسكان، ومكتبة عامة، ومطاعم غربية تقدم وجبات غريبة على أهل المنطقة على رأسها الستيك والهمبورجر والآيس كريم، لكنها بالتأكيد كانت تعد (خفايف) مقارنة بالوجبات السائدة لدى الأهالي مثل الجميد (المنسف) والجريش والمرقوق والفتة القديمة، إلا أن تأثيرات ما لابد أنها لحقت بجوانب اجتماعية وثقافية واقتصادية منها دخول كلمات إنجليزية في معجم الكلام اليومي في المنطقة، وظهور وظائف بمهارات جديدة للمواطنين.
وكانت دارة الملك عبدالعزيز قد وثقت قصة اكتشاف البترول وجهود الملك عبدالعزيز في هذا المجال والأسس الاستراتيجية التي بناها - رحمه الله - لدور البترول في التنمية الشاملة وعلى رأسها الإنسان السعودي إلا أن التوثيق الشامل لتاريخ الزيت في المملكة العربية السعودية ما زال في إطار التعاون بين الدارة وشركة أرامكو السعودية وفق اتفاقية موقعة بينهما، لتقديم تاريخ شامل ودقيق ومدعم بالخرائط والوثائق والرسومات والروايات الشفهية والدراسات المصاحبة لبدايات النفط السعودي، والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية على الوطن والمواطن ودوره التنموي الذي بنته الدولة منذ أيامه الأولى.
وكانت وزارة الثقافة قد لفتت الانتباه إلى أهمية معالم التراث الصناعي ومن بينها خط التابلاين بعد تنظيمها لمسابقة «التراث الصناعي» في يوليو 2019م والتي تعد الأولى من نوعها في تاريخ المملكة. وأثمرت المسابقة عن تسليط الضوء على مواقع تاريخية ذات علاقة بالنهضة الصناعية السعودية، كما زادت الوعي بهذا النوع من التراث والذي يشمل كل ما يتعلق بالإنجازات الاجتماعية والهندسية التي صنعها الإنسان بعد الثورة الصناعية مثل آثار الثقافة الصناعية التاريخية القديمة، كالمنشآت والآلات والورش والمصانع والطواحن والمناجم ومواقع التنقيب والمستودعات ومواقع توليد الطاقة والبنى التحتية، إضافة للمناطق الخاصة بالأنشطة الاجتماعية المرتبطة بالصناعة كالإسكان ودور العبادة والتعليم.
وتعمل هيئة التراث على توثيق وتسجيل المواقع التراثية في سجل التراث الثقافي والذي يشمل سجل التراث العمراني وسجل الآثار، ولاحقا سجل التراث الصناعي، حيث يتم توثيق هذه المواقع بالمعلومات العلمية والصور الوثائقية وتخضع للدراسة والحماية.