صيغة الشمري
أتى رجل من إحدى المدن ليقضي بقية عمره في قرية على ساحل البحر، يتميز بحر هذه القرية بأجود أنواع السمك، فكره الرأسمالي لم يجعله يبدأ قبل أن يبدأ في محاولة إقناع أهل القرية بالاستثمار لما تتميز به القرية من ساحل جميل وسمك نادر، اجتمع بكبار القرية وطرح عليهم جلب شركات والدخول في مشاريع استثمارية وبناء مصانع، فسألوه عن الفائدة من ذلك، قال: لتصبحوا من أصحاب الملايين، قالوا له: ثم ماذا بعد؟، قال: لتملكوا عند تقاعدكم الملايين من الدولارات التي تمكنكم من العيش بسلام في قرية هادئة وجميلة على شاطئ البحر، قالوا: هذا ما نفعله الآن!
هذه القصة هي قصتنا مع التكنولوجيا والتطور العلمي الرهيب الذي نعيشه الآن، لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع ما حل في البشرية في عز مباهاتها بالوصول لأقصى تطور تصل إليه حضارة بشرية من قبل، تطور تكنولوجي وعلمي فاق الخيال، أبسطه أن تجرى عملية جراحية دقيقة عبر الريبورت لمريض في دولة يتم التحكم فيه من دولة أخرى تبعد آلاف الكيلو مترات وتنجح نجاحًا مبهرًا، استنساخ كائن حي دون الحاجة للطريقة التقليدية، في كل علم حدثت ثورة تختصر مئات السنين قياساً بالأمم السابقة، مراكز أبحاث في كل مجال، لكنها للأسف لم تنقذ البشرية من فتك فيروسات وبائية تحاصرها كما يحاصر ثعبان سام جرذاً صغيراً في زاوية، لم تبرع البشرية في مجال التطور التكنولوجي إلا في قتل الإنسان أو إحلال الريبورت مكانه والاستغناء عنه، تطور مذهل في كل سلاح يقتل الإنسان، وتطور مذهل في كل تكنولوجيا تحل مكان الإنسان، غير ذلك تحول العلم- في أغلبه- إلى مجرد مشاريع تجارية يقصد منها جلب المزيد من الأموال، لم تعش الكرة الأرضية تلوثًا بيئيًا كما عاشته في وقتنا الحاضر، ولم تفتك الحروب بالبشر من قبل كما في وقتنا الحاضر، كمية غير مسبوقة من التسلح النووي تكفي لفناء البشر، كل هذا التطور العلمي والتكنولوجي لم يدعم الإنسان بقدر ما دعم مخاوفه وجعله يشعر بالقلق والتوتر وهو يشاهد جميع علماء البشرية ومراكز أبحاثها يقفون عاجزين عن محاصرة فيروس ومنعه من حصد المزيد من الضحايا، صدمة كبيرة تداهم كل من يتأمل حال البشرية هذه الأيام، كأن كل هذا التقدم التكنولوجي كان نحو المزيد من «التخلف»!