سام الغُباري
خطاب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي أمام الحكومة أول أمس السبت، من أقوى وأوضح وأبلغ ما قيل، اقتبس عنه الآتي:
«نريد عدن عاصمة للجميع، نريد مؤسسات تبنى، نريد اقتصاداً يتعافى، نريد أمناً يستتب، نريد مواجهة للانقلاب، ونريد خدمات للناس، وهذا باختصار ما ينتظركم، ومن أثبت جدارته في إدارة الوزارة فأهلاً وسهلاً به وسيكون محل احترام الشعب والقيادة، ومن أساء فيها سيتم محاسبته وتغييره.
صحيح أنكم قادمون من أحزاب وتكتلات ومناطق جغرافية مختلفة، ليكن همكم الوطن والمواطن أولاً وأخيراً، فالوطن فوق الأحزاب وفوق الكل، ونحن في مرحلة جديدة ونعول عليكم لتعملوا كفريق واحد، وهذه حكومة معظم أعضائها وجوه شابة، وعليكم بالابتعاد عن أي مناكفات أو صراع، ويجب الحفاظ على مظاهر الدولة، وسمعة الدولة وهيبة الدولة ورمزية الدولة، ولا أريد أن أسمع عن أي وزير في هذه المرحلة أن يصدر تصريحاً يضر بسمعة الدولة»..
البعض ممن يحملون مواقف مسبقة ضد الرئيس لم يرق لهم الأمر، ولا يريدون مراجعة أنفسهم وإلزامها كلمة التقوى، كانت الدولة كلها في عدن لكن حسابات إقليمية غامضة دفعت بالصراع هناك إلى مراحل دامية، وتجاوز الرئيس كل الألم، وأعلن تنازله لموجة الكراهية الطاغية لمشاعر ضد الوحدة تشكلت في بركان عدن الخامد، وهي المشاعر التي ورثها نظامه عن نظام سلفه وليس مسؤولاً عنها، وكان قادرًا على إخمادها بالعنف، لكن تجارب الحياة التي وضعته في مواقف كبرى وأدخلته أتون صراعات عديدة ومريرة، علّمته أن الغلبة في اليمن زائلة، وأن الاستقواء لن يدوم، وأن اليمن الجديد لا يمكن إدارته بنفس أدوات الحكومات والأنظمة السابقة.
عندما وصل الرئيس هادي إلى السلطة في صنعاء بداية العام 2012م، قال في أول تصريح له: إنه لا يريد إنهاء أي معركة من الماضي، وليس ملزمًا بها، وأنه يتطلع إلى أن يكون عهده خاليًا من الحروب. إلا أن الأمنيات لا تكفي، فعلى بعد أمتار من منزله كان شباب الساحات مصرين على «إسقاط النظام» وتأزيم المشهد سياسيًا، فيما الأحزاب تتذاكى على بعضها وتريد محاكمة الآخر، وكانت القبيلة العميقة تتحفز للبحث عن ممول للصراعات الجديدة، والمشايخ الجدد الطامحون في النفوذ يدخلون ملعبًا فارغًا من الخبراء والحكماء والمتمرسين، وعلى جبال مران في صعدة كانت الإمامة الرسيّة تطوق كل شبر هناك وتحشد كل فتى إيذانًا ببدء الغزو.
جنوبًا كان الحراك الجنوبي منفلتًا، والشارع متلهفًا لكل كلمة سيئة باتجاه صنعاء، عزز تلك الكراهية الغارة الحوثية على عدن مطلع عام 2015م، في تلك الأثناء كان الجيش قد انتهى لأنه لم يكن مؤسسة حقيقية، بل قطاعات جهوية وقبلية لم تتعلم معنى الولاء للوطن قبل القبيلة أو الحزب، وبقي هادي وحيدًا، وقبل أن يغادر الجغرافيا احتزم بأشقائه العرب وقاد حربًا اضطرارية على المجانين المسلحين حتى أرسى بقوة الواقع أنه رمز الدولة ورئيسها المنتخب.
بعد سنوات الحرب والصراع، يحاول الرئيس هادي بكل صبر تحمل مشاعر القسوة والسفه والطيش التي ينالها ممن لا يحظون بامتيازات خاصة، ليسخروا منه علنًا، أو ممن يتلقون أموالاً من دول ماكرة ومعادية لتأجيج مشاعر الكراهية، والتقاط كلمة شاردة عن فلان، أو علان يثيرون بها الفتنة والحرب.
خطاب الرئيس اليمني ملهم للغاية، أنا كاتب وأعيّ ما أقول، اغمضوا أعينكم عن صاحب ذلك الخطاب طالما أنه لا يروق لبعضكم، وابعدوا أصابعكم عن آذانكم، وصفّوا قلوبكم ونواياكم لمرة واحدة، واقرأوا بيانه وانصتوا لخطابه، واتقوا الله لعلكم تفلحون.
وإلى لقاء يتجدد
** **
* كاتب وصحافي من اليمن