علي الخزيم
جمال المرأة ونعومتها وأدبها وشاعريتها صفات جُعلت عند العرب كنوافذ وأبواب للولوج والاطلاع على كل ما يسر القلب، ويبهج النفس، ويضفي على حياتهم السعادة، ويغذي مشاعرهم بمقومات الفرح والسرور؛ وهذا من دواعي احتلال المرأة العربية مكانة عزيزة قبل الإسلام وبعده؛ إذ إن أخلاق العربي وشيمه ونبل أخلاقه لم يغيّرها الإسلام، بل حافظ عليها؛ لأن النبي المصطفى محمد -صلى الله عليه وسلم- جاء ليتمم مكارم الأخلاق لا ليفسدها! لذلك كان للمرأة بنبلها وتضحياتها دور رئيس وفاعل بحياة الرجل ونسق الحياة الاجتماعية، متشحة بالاقتران الراقي اللطيف بين مفاهيم العفة والرقة مع هذا النبل الممتزج بالسجايا الحميدة بين الطرفين.
وقبل أن أدلف إلى ذكر أمثلة لمن اشتُهرن وعُرفن بروعة الجمال، مع الرقة وحسن الأدب، مع البراعة بالشعر والقصيد، ولاسيما الغزلي منه، فإني ألمح هنا بكلمات إلى أن العربي بكل العصور يثمن ويقدر الجمال بكل أشكاله وتصوراته؛ فكان جمال المرأة مقصدًا لرجالات العرب ومطلبهم، ونظموا لأجله أرقي قصائد الغزل، وخطبوا ود الحسناوات، وبادلوهن قصيدًا عذبًا بقصيد أرق وأجمل!
المغيرة بن شعبة الثقفي - وهو صحابي جليل، وأحد مَن تحدث عنهم القرآن الكريم ببيعة الرضوان - فارس جسيم مقدام، وحاكم عادل.. كان يقال له (مغيرة الرأي)، من دهاة العرب، وذوي الرأي وحسن البصيرة. وبموقعه هذا بين صحابة رسول الله كان يعشق الجمال، ويصرح به، ويطلبه إذ تزوج العديد من النساء. وتحدث بذلك المؤرخون، وإن علق أحدهم على مسألة الطلاق بين نسائه فإن لدى آخرين ردودًا تبدو مقنعة بهذا الجانب، ولاسيما إذا عُرفت شخصية ومكانة هذا الصحابي، وما كان يرمي إليه من نماء الذرية، ومقاصده النبيلة التي جمع بها بين جموح الرغبة نحو الجمال ولطف النساء، وصيانة الذمة، وإحاطة جناب الإسلام بالفرسان الأشداء من نسله وغيره من الغيورين.
من أشهر نساء العرب ممن شغلن حيزًا كبيرًا من شغف الرجال بالجمال وحسن الأدب والتأدب على سبيل المثال (أم أناس الشيبانية). وهذا اسمها لا كنيتها. وهي من أحفاد كعب بن زهير، وأبوها عظيم قومه عوف بن محلم. وحليمة الغسانية التي سار فيها المثل (ما يوم حليمة بسر) عن حرب أهلها مع ملوك الحيرة. و(رهم بنت الخزرج)، تزوجها سعد بن تيم مناة، وينسب لها المثل السائر (رمتني بدائها وانسلت). والمرزبانة التي اشتُهرت بقصتها مع مدعي النبوة الأسود العنسي، ولبثت معه كارهة له حتى قُتل بخلافة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-.
وإن زعم بعض النقاد قلة أشعار النساء العربيات، أو مَن تغزل منهن بأماجد الرجال؛ فإن شاعرات عربيات أبدعن - وما زلن يبدعن - بهذا المجال الشيق المحبب، مثل الخنساء وليلى الأخيلية شاعرة بني عامر. وممن عُرفن بشعر الغزل أم الكرام بنت المعتصم بن صمادح، وبثينة مع جميل بن معمر، وأم الضحاك المحاربية التي تميزت بجرأتها بقصائد حبها لزوجها. وما زالت المرأة العربية المعاصرة تقتفي آثار الأوائل مسجلة روائع الشعر الرصين، والمعنى الرقيق، والكلمة الساحرة الطروب.. وتزدان منصات التواصل والمواقع والمكتبات الرقمية بنتاجهن من بديع النثار وعاطر القصيد.