تسبب تفشي جائحة فيروس كورونا في الكثير من الآثار السلبية التي أثرت ولا زالت تؤثر على أغلب سكان العالم.
وقد تنوعت هذه الآثار واختلف حجم تأثيرها على الناس، إلا أن الأثر الأكبر كان على الفئات الأشد فقرًا وحاجة حيث تسببت الجائحة في زيادة معدلات الفقر وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية عالميا، وهو ما وضعنا أمام تحديات هائلة على الرغم من تدفق مليارات الدولارات من المساعدات الإنسانية التي قدمتها المؤسسات الدولية.
ولعل أكبر التحديات التي تواجهها المجتمعات خلال الأزمة وستستمر في مواجهتها في فترة التعافي هي تلك المتعلقة بالإسكان والتوظيف، فقد خسر الملايين من الأشخاص حول العالم أعمالهم ووظائفهم. حيث تشير التقديرات العالمية إلى وجود نحو مليار شخص يعيشون في الأحياء الفقيرة والمناطق العشوائية وفي مساكن غير ملائمة، فضلا عن أن أكثر من 2.4 مليار شخص حول العالم لا يمكنهم الحصول على المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي.
لقد أصبح دعم المجتمعات المحلية الضعيفة حاجة ملحة في سبيل تأمين السكن وفرص العمل، وذلك عن طريق توفير التدريب المهني وبرامج التنمية الاجتماعية لهؤلاء الأفراد لكي يتمكنوا من الوصول إلى سوق العمل والنجاح فيه، وهو ما سوف يساعدهم في كيفية التعامل مع التحديات العديدة التي يواجهونها وتحسين مستوى معيشتهم.
ومن جهة أخرى سلطت جائحة فيروس كورونا الضوء على الدور المتغير للعمل الإنساني الاستراتيجي، حيث توحدت جهود عدد كبير من المؤسسات والمنظمات الإنسانية، بما في ذلك الكيانات الحكومية والشركات الخاصة والمؤسسات غير الربحية، لتقديم مساعدات إنسانية عاجلة للمحتاجين حول العالم. وعلى الصعيد المحلي تم إطلاق العديد من المبادرات في المملكة العربية السعودية لمعالجة الآثار الصحية والاقتصادية للجائحة ودعم تنمية المجتمع خلال هذه الأوقات الصعبة. منها على سبيل المثال تبرع الحكومة السعودية بمبلغ 10 ملايين دولار أمريكي كدعم مالي لمنظمة الصحة العالمية لتكثيف جهودها في مكافحة انتشار الفيروس.
أما بالنسبة لنا في مؤسسة الوليد للإنسانية، فقد خصصنا مبلغ 30 مليون دولار أمريكي ليتم توزيعها على مجموعة متنوعة من المبادرات العالمية والمحلية التي تسعى لمكافحة جائحة فيروس كورونا، وسعينا من خلال هذا الدعم المالي إلى معالجة الآثار الصحية والاقتصادية الناتجة عنها، حيث قمنا بتوفير اختبارات تشخيصية سريعة مخصصة للبلدان النامية، بالإضافة إلى تقليل حدة التأثير طويل الأجل للتداعيات الاقتصادية عبر تحويل هذه الأزمة إلى محفز لمواجهة التحديات وتقديم الحلول لبناء مستقبل أفضل وأكثر استدامة للجميع.
كما تم تنفيذ عدة مبادرات أخرى لدعم الأسر الأكثر احتياجا لتأمين السكن الملائم في جميع أنحاء المملكة، وقد شملت الجهود الأسر التي تحصل على مبالغ الإعانة من هيئة الرعاية الاجتماعية في وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، والتي يحق لها الحصول على الدعم السكني المقدم من وزارة الإسكان. وفي دورنا، أطلقنا برنامج «الإسكان والسيارات» الذي سيوفر 10 آلاف وحدة سكنية و 10 آلاف سيارة للمواطنين السعوديين في جميع أنحاء المملكة خلال 10 سنوات. ويلعب هذا البرنامج دورا حيويا في دعم الأسر السعودية ذات الدخل المنخفض من خلال مساعدتهم على تقليل نفقاتهم الشهرية المخصصة لإيجار السكن والمواصلات. لطالما سعينا في مؤسسة الوليد للإنسانية لتأمين فرص العمل المناسبة لجميع المواطنين السعوديين، ولتحقيق هذا الهدف تعاونا مع شركة كريم على تسليم الدفعة الثالثة من 100 سيارة تعهدنا بتقديمها ضمن برنامج «كابتنة»، كجزء من جهودنا لتوفير فرص عمل مستدامة للنساء في المملكة وإتاحة فرصة أكبر لهن للمشاركة الكاملة في المجتمع والسعي لتكافؤ فرص العمل.
ختاما، ومع بدء انتشار الأخبار الإيجابية حول اعتماد اللقاحات المضادة للفيروس نتطلع إلى العام القادم بنظرة يملؤها التفاؤل بأن يكون العام 2021 عام التعافي الاجتماعي والاقتصادي من آثار هذه الجائحة والوصول إلى عالم أكثر عدلا ومساواة. ولتحقيق هذا الهدف وضعنا خططنا المستقبلية المخصصة لدعم المجتمعات المحلية والتصدي للفقر وتحقيق تغيير مستدام طويل الأجل، فنحن نؤمن بأن مبادرات التنمية المجتمعية وتمكين المرأة والشباب في المملكة العربية السعودية يجب أن تكون حجر الأساس لجميع خطط التعافي من هذه الأزمة.
** **
- المدير التنفيذي للمبادرات الوطنية في مؤسسة الوليد للإنسانية