د. عبد الإله بن عبدالله المشرف
اشتكت إحدى الأمهات أن أبناءها لا يتفاعلون بشفافية وصدق مع الاختبارات التي ترسل لهم «عن بعد»، والمشكلة أن الأب نفسه يتعاون مع الابن في الإجابة، يصبح هم الاثنين «الأب والابن» الدرجة فقط، وتغيب القيم الأخلاقية والصدق والشفافية والأمانة في الإجابة على الأسئلة.
ربما تكون هذه الحالة قليلة لكنها موجودة، والمشكلة ليست في عدم قدرة الابن على الإجابة، فهذا أمر وارد سواء كان التعليم «عن بعد» أو «عن قرب»، لكن المشكلة تكمن في مفهوم عملية التعلّم لدى الأسرة، ولدى المدرسة في كثير من الأحيان.
لقد استطاع الابن بمساعدة والده - غير الشرعية - في أن يحصل على درجة عالية لكن ما الذي خسر؟
حصل الطالب على درجة عالية... لكنه خسر عملية التعلّم، فهو عملياً تجاوز شكلياً عدة مفاهيم وهو في الحقيقة لم يتقنها؟
وربما كان لمثل هذه الممارسات إذا تكرَّرت تأثير سلبي على مصداقية التعلّم وتقدير العلم وتأثير القدوة على المتعلّم، ولا شك أن شيوع مثل هذا السلوك له آثاره السلبية على جودة التعليم
الحمد لله أن هذه الفئة ليست -بفضل الله- كثيرة في المجتمع، غير أننا نحرص على التنبيه للأهمية، فالأسرة التي تحرص على بناء القيم الأخلاقية لدى أبنائها الطلاب، تستثمر هذه الثقة التي يمنحها نظام التعلّم «عن بعد» في التأكيد لهم على أهمية الصدق، والجدّ في طلب العلم، والأمانة في الإجابة، وبذل الجهد للتميز، وتقبل النتائج بروح معنوية كبيرة، فعملية التقويم هي في الحقيقة عملية تعلّم، يتعلّم منها الطالب كيف يؤدي الاختبار، وكيف يتعامل مع المعلومة، وكيف يكون صادقاً في الإجابة، وجاداً في عملية التعلّم، وكيف يتقبل الخسارة، وكيف يكون أهلاً للثقة، إننا وإن لم يحصل ابننا أو ابنتنا على الدرجة الكاملة لكننا صنعنا مواطنّاً صالحاً وعضواً نافعاً للمجتمع.
في إحدى الجامعات الكبرى أعطى الدكتور الأسئلة للطلاب ثم خرج وتركهم في اختبار نهائي، لم يتجرأ أحدٌ منهم أن يفتح كتاباً، أو يطلب مساعدة للغش على الرغم من أهمية الاختبار، والسبب هو أن أياً منهم لم يكن على استعداد للتضحية بكرامته وأخلاقه ومصداقيته.
أيها الطالب.. تأكد أنك عندما تعتاد البحث عن المعلومة بنفسك، والتوصل إلى ما تريد بجهدك، سوف تشعر بمتعة العلم، ولذة البحث، وفرحة العثور على الجواب، وسوف ترى تأثير ذلك في طريقة تفكيرك وفي تقديرك لذاتك وفي تقدير الآخرين لك.
أيها المربون... تأكدوا أنكم تبنون في أبنائكم قيماً أخلاقية راقية عندما تغرسون فيهم الأمانة والصدق، وعندما تمنحونهم الثقة والاعتماد على الذات لأنهم أمناء أقوياء، إنكم بذلك تعلمونهم أن العلم الحقيقي هو العلم الذي يترجمه السلوك، وأن التربية الحقة هي بناء الشخصية الأخلاقية العالية، إنكم بذلك تصنعون مجتمعاً جاداً متعلماً يحقق أهداف التنمية ويرتقي بوطنه إلى الريادة.
وزارتنا العظيمة لا نريد أن تكون اختباراتنا التحصيلية تنحصر في قياس مهارات التفكير لدينا، وأن تعتمد بشكل رئيس على نمط الاختيار من متعدد، وأن تكون الأسئلة سهلة واضحة، وأن تتشابه أنماط التقويم على الرغم من اختلاف المواقف التعليمية.
يجب أن نستثمر الاختبارات «عن بعد» في تعليم الثقة، وفي بناء الذات، وفي تحقيق التعلّم الذاتي الناجح، وفي تمكين الطالب من اكتساب مهارات البحث والتحليل، وفي تنمية مهارات التفكير وغير ذلك من الخبرات والمهارات.
ينبغي أن تتغير منهجية وأنماط الاختبارات «عن بعد» عن الاختبارات المباشرة لتباين الموقف التعليمي.
ولا بدّ من الارتقاء بمستوى الأداء في صناعة الاختبارات، وتمكين المعلمين من امتلاك مهارة صناعة الاختبار الجيد. ومن الأهمية بمكان تقويم الاختبارات التحصيلية الحالية، والتعرّف على مدى كفاءة أساليب التقويم المستخدمة.
«يجب تطوير ممارستنا التعليمية التقليدية لتواكب النمط التعليمي عن بعد، ولكي تكون سنداً قوياً يكمل النقص الذي قد نواجهه في التعليم المباشر. وينبغي أن تكون رسالتنا التعليمية الدائمة هي العلم والأخلاق كل متكامل لا ينفصلان، وقديماً قيل:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا