د.شريف بن محمد الأتربي
انتهى الفصل الدراسي الأول من العام الدراسي الجاري 2020 - 2021 وأُعلنت النتائج، وفرحَ من فرحِ، وحزنَ من حزنِ كلَّ بما ناله من الدرجات، بعد العديد من التقييمات التي اتبعتها اختبارات قاست كل المستويات ورُصدت في الكشوفات لتكون دليلاً لما هو آت.
ورغم الجهود التقنية الكبيرة جداً التي بذلتها وزارة التعليم ومعها أشقاؤها من الجهات الأخرى المرتبطة بالتعليم؛ إلا أننا ما زلنا نعيش قضية الساعة، حتى ولو تأخرت حتى نهاية العطلة فستظل هي الشغل الشاغل للمجتمع كله، وهي قضية اليوم والغد حتى يأتي الله بأمر كان مفعولاً، ويخلصنا من كورونا وإخوانه المتحورين كأنهم من أفلام الزومبي مقتبسين، وعلينا مُسلطين، فهل سنكمل العام الدراسي مبتعدين وبالتعليم عن بعد مكملين، أم نحن إلى أدراجنا عائدين وفي فصولنا مجتمعين وبأقلامنا كاتبين وعلى طاولاتنا ربما بين الحصص نائمين.
لقد انقسم المجتمع إلى قسمين لا ثالث لهما خلال هذه الفترة على الأقل؛ قسم يدعم فكرة التعليم عن بعد ويؤيده، بل ويسارع بربطه بآثار أخرى مترتبة عليه من غير الآثار التعليمية والتربوية؛ فيربطونه مرة بالزحام، وأخرى بتوفير النفقات، وثالثة بأهميته في جمع شمل الأسرة واجتماعها على هدف واحد واضح؛ هو تعليم الأبناء.
وعلى الطرف الآخر نجد قسماً آخر يأخذ بشدة على هذا النمط من التعليم، ويعدد مساوئه، وكيف أنه أفرغ العملية التعليمية من مضمونها، وأفقد الطلاب الحماس والرغبة في العملية التعليمية، ونزع منهم أجمل ذكريات الطفولة والمراهقة، بل أفقد العملية التعليمية كلها الركن الثاني والأساسي منها وهو التربية، خاصة بعد رصد العديد من الممارسات السيئة من جانب بعض الطلاب خلال رحلة التعلم، بل وللأسف فقد ساعدهم فيها بعض أولياء الأمور من الغش في الاختبارات، وحل الواجبات، والحضور المزيف في القاعات، وغيرها من الممارسات التي تضر الطالب نفسه وأسرته، بل والمجتمع كله، حيث تكسبه ما لا يستحقه، وتصنفه في مستوى لا يرقى له.
وعلى مدار الأيام الفائتة طالعتنا وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي العديدة بأحاديث وأقوال ونتائج عن التعليم عن بعد، من خلال أسلوب العرض الكمي وليس الكيفي، فقد تم رصد عدد زوار منصات التعليم بمئات الملايين، وتصنيفهم حسب المترددين من طلاب ومعلمين، وكأن الهدف هو الدخول على المنصة أولاً، وتلا ذلك تعداد لعدد الواجبات والاختبارات و...، وكلها أعداد وأرقام ترتبط بكم وليس بكيف، فهذا المعيار يمكن تطبيقه على منصات الخدمات مثل أبشر وغيرها أما التعليم عن بعد أو التعليم الإلكتروني فهناك معايير أخرى تقاس بها مدى نجاح العملية التعليمية تأخذ في الاعتبار الطالب والمعلم والمنهج الدراسي والأهداف وغيرها من المعايير القياسية المبنية على دراسات علمية تجريبية.
إن مناقشة مثل هذه القضايا يجب أن يجب أن يكون بمنأى عن أي توجهات أو رغبات أو عناد، فقط حاجة المجتمع وما تحتاجه الفترة الحالية، فتحويل المناقشة إلى مباراة للملاكمة لا بد أن تنتهي بالضربة القاضية لواحد من الطرفين لن يكون هو الحل، فالحل هو العمل على الاستفادة مما يوفره التعليم عن بعد- التعليم الإلكتروني - من مميزات بعد وضع الضوابط اللازمة ومعايير قياس المخرجات الحاذقة، وأن نعمل على الاستفادة منه بأفضل ما يمكن، والاستفادة من التقنيات المرتبطة به مثل البيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي لاستشراف مستقبل الطلاب بعد اخضاعهم لاختبارات حقيقية مبنية على الثقة بين الطرفين من طلاب ومعلمين بأن ما يخضعوا له هو لصالحهم هم أنفسهم.
إن سرعة تصنيف الطلاب وتقسيمهم حسب قدراتهم العلمية والمعرفية وتحديد توجهاتهم سيساعد بإذن الله على تقديم جرعات تعليمية تثقيفية لكل منهم على حدة - تفريد التعليم - وستكون النتائج مبهرة بإذن الله، حيث سيكون لدينا مجموعات من الطلاب في كل مجالات المعرفة تقريبا ولكنهم طلاب خبراء يمكنهم مواصلة العملية التعليمية في المرحلة الجامعية وبالتالي سرعة انخراطهم في سوق العمل وتقليل نسب غير السعوديين في كثير من المواقع المهمة.
إن تجربة مؤسسة مسك الخيرية في هذا المجال، وما تقدمه من برامج تعليمية وتثقيفية لأبناء المجتمع يمكن أن يكون دليلاً استرشادياً مهماً في هذه اللحظات الفارقة في التعليم، وكذلك العمل على دمج التعليم الإلكتروني في التعليم التقليدي بصورة صحيحة والاعتماد على بعض أدواته التقييمية في العملية التعليمية ولعل منها مثلاً بناء قالب للبحوث يُمكن الطالب من كتابة البحث بطريقة صحيحة.
وفي نهاية المقال أدعو الجميل لنزع القفازات والتنزه عن النزاعات فلا خاسر اليوم في هذه المباراة بل بإذن الله مجتمعنا رابح بهذه المجموعة من الطلاب المتميزين علمياً وتقنياً.