مهدي العبار العنزي
إذا عرفنا أن الصلح بين الناس عبادة، والصلح يأتي انسجامًا مع المصلحة العامة، وكذلك مصلحة الفرد والأسرة والمجتمع والأمة؛ لأنه - أي التصالح - يحقق الأهداف المرجوة للطرفين المتصالحين، أو للأطراف كافة المتصالحة، مع مراعاة احترام وجهات النظر التي توضح للجميع أهمية المحبة والتعارف والتكاتف وسد كل الثغرات التي من شأنها النيل من كرامة أي طرف أيًّا كان، والبعد عن موالاة الأعداء، والارتماء في أحضان من يريدون للأمة الشر والتناحر والتباغض، ويزرعون الفتن والأحقاد التي نهى عنها ديننا الإسلامي الحنيف، وحذر منها نبي الهدى والرحمة محمد - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم -.
إن الصلح الذي يحفظ كرامة المتصالحين وأهدافه وغاياته النبيلة يعني - بكل ما تعنيه الكلمة - الحق وإحقاقه واتباعه، وإزهاق الباطل واجتنابه؛ لأن الحق هدف من الأهداف التي يبحث عنها كل من يعرف الحق، ويدحر الظلم والعدوان.
فالحق الذي يبحث عنه كل طرف هو أن تكون النوايا الصادقة موجودة، وأن تكون كل الأهداف السامية متحققة، وأن تكون الغايات النبيلة هي التي تأخذ دورها الحقيقي الشامل، وأن يتحقق من الصلح ما من شأنه حفظ الحقوق وعدم إهدارها.
وإذا عرفنا أن معنى الصلح في الإسلام هو مشروع ما دام أنه لا يحلل حرامًا، ولا يحرم حلالاً؛ وبالتالي فإنه يقضي على المنازعات التي من شأنها أن تشيع الحقد والكراهية في قلوب الناس؛ لأنها تؤدي إلى عواقب وخيمة، قد لا يدركها كثير من الناس.. قال تعالى: {فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (الأنفال الآية رقم1).
وما دمنا نعلم جيدًا أن وحدة الكلمة ووحدة الصف لها أهمية كبرى في كل مناحي الحياة بين الأمم فيجب ألا نقلل من أهمية الصلح ومكانته قديمًا وحديثًا. فهل نسي الجيل الحالي صلح الحديبية في عهد محمد - صلى الله عليه وسلم -؟
نعم، نعترف بأن هناك بعض الأمور المتعلقة بالخلافات. هذه الخلافات التي من المفترض ألا تصل إلى درجة البغض والحقد والاقتتال والتناحر والتخوين بشرط ألا تكون طريقًا إلى الأمور التي من شأنها النيل من كرامة الشعوب ومكانتهم، خاصة أولئك الذين يطمحون إلى الرقي بالأهداف التي تحقق لهم الطموحات التي من شأنها أيضًا أن ترسخ مبدأ المحبة بين الشعوب.
نحن ندرك، وكل العالم يعي، أن المملكة العربية السعودية التي من أراضيها انطلق أول صلح في الإسلام لن تدخر وسعًا في لَمّ الشتات، وجمع القلوب؛ لتصبح متحابة في الله، ثم في سبيل الرفعة والرقي بالأهداف التي تحقق للبشرية جمعاء العيش الكريم في سلام وأمن واستقرار، التي تحقق الطموحات للعالم بأسره. فما بالك عندما يكون الذي بينك وبينه خلافات هو شقيق وجار، مصيركم مشترك، حتى ولو أخطأ، وحتى لو تجاوز، عندها يأتي الدور الكبير للاحتواء؛ لأن الاحتواء مهم جدًّا؛ فالعقل الكبير يتسع لكل العقول.
نبارك كل الخطوات التي من شأنها الصلح والتوافق والوقوف صفًّا واحدًا في وجه كل من يحاول النيل من كرامة الشعوب العربية وقيمها وتراثها وأمجادها.
ليس عيبًا أن نتصالح ونتلاحم. والله المستعان والموفق.