كاتب فهد الشمري
((يالله حيو...نورت المملكة)) بهذه الكلمات الصادقة والأخوية والمعبرة التي خرجت بصوت سمو ولي العهد حفظه الله، طوى الخليج دولاً وحكومات وشعوباً واحدة من أعتى الأزمات التي عاشها الخليج في هذا العصر، فما أجمل العظماء حينما يتسامون بأخلاقهم ورحابة صدورهم ليستوعبوا كل من حولهم، ويتناسون الماضي وما كان من فراق وهجر، رغبة في تحقيق مصالح أسمى وغايات أفضل لشعوبهم.
بهذه الكلمات الأخوية التي خرجت بمشاعر صادقة جعلت العناق بين صاحب السمو الملكي الأمير/ محمد بن سلمان ولي العهد حفظه الله وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني هو البداية والختام لتلك المحنة التي عصفت بالخليج وكادت أن تعطل مسيرته، رغم ضرورة التلاقي والاجتماع لما فيه من خير وقوة ومنعة لمقاومة العدو الأساسي المتمثل في الخطر الإيراني الصفوي الذي لا يرعى لمسلم أو عربي إلاً ولا ذمة، فلله ما أجملها من لحظات تلك التي أثلجت الصدور وأفرحت القلوب، وأعادت إلى الخليجيين بهجتهم وألفتهم ومودتهم، وكل الفضل بعد فضل الله يعود للملك سلمان ولسمو ولي العهد الأمير محمد ثم لسمو أمير الكويت الراحل المرحوم صباح الأحمد ومن بعده الأمير نواف الأحمد حفظه الله.
إن الروابط التي تجمع الخليجيين كثيرة وعديدة لا يمكن حصرها، ولا عدها فمن روابط الدين إلى العروبة، إلى المصالح المشتركة، إلى القرابة وأواصر القرابة التي جعلت أمير قطر يحضر على طائرة مكتوب عليها (الأشيقر) وكأنه بلسان حاله لا بلسان مقاله يقول للمملكة وولاة الأمر والشعب السعودي (منكم وإليكم وجئنا للسلام عليكم) ولم يكن استقبال المملكة له وللوفد المرافق له، إلا خير دليلٍ على عمق تلك العلاقات الراسخة والمتجذرة التي لم ولن تمحى من ذاكرة الأيام والأجيال.
إن الخليج العربي بأسره وهو يسير تحت مظلة مجلس التعاون، وعلى رأسه المملكة العربية السعودية يعد قوة لا يستهان بها، ومؤثراً عالمياً على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والدولية، فالخليج هو شريان العالم الذي يمده بالطاقة، وحري بالجميع أن يكونوا على قدر تلك المسئولية التي يجب استغلالها للوصول بالخليج وشعوبه إلى أعلى المستويات المعيشية، والترابط الأخوي القوي الذي يكفل له حماية مصالحه، والسمو بالعلاقات بين دوله وشعوبه إلى أعلى المستويات بل وإلى ما يشبه وحدة اقتصادية لا تقل عن قوة الاتحاد الأوروبي الذي اجتمع على نسبة قواسم مشتركة لا تشكل سوى القليل بينما الخليجيون لديهم من القواسم المشتركة ما يصل إلى درجة التطابق.
لقد ضرب ولي العهد حفظه الله أروع الأمثلة في التسامح والقبول بالآخر، وتغليب المصالح الخليجية المشتركة على الخلافات الطارئة الناشئة التي لا تخدم أحداً، وهو يستقبل ويعانق أمير دولة قطر، والعرب تقول (لكل من اسمه نصيب) فلعل العُلا تكون بداية علو لتلك العلاقات الخليجية المتجذرة والضاربة في أعماق التاريخ، لتصل إلى أعلى الأمكنة والمستويات المرجوة التي تطمح إليها شعوب الخليج جميعها.
لقد جاءت كلمات ولي العهد تلك التي تستحق أن تكتب بماء الذهب، كقطراتٍ من غيثٍ انهمر بعد طول انقطاع، فأحيت القلوب المحبة للسلام، وأثلجت صدور الخليجيين الذين اشتاق بعضهم لبعض، وأسدلت الستار على بابٍ من أبواب الشيطان، وهكذا هي عادة المملكة ومبدؤها، فالمصالح العليا أحق أن تحقق، والخلافات الدنيا من الأفضل أن تنسى، فالأخوة أغلى وحسن الجوار أعلى، والالتقاء خير من التفرقة، وعلى الدنيا أن تنصت، وتستمع لتلك المعزوفة الأخوية التي انطلقت لتطفئ نيران غضبٍ طالما عمل البعض على تأجيجها، فالعلا التي انعقدت بها القمة بناءً على دعوة وتوجيه خادم الحرمين الشريفين والتي رأسها سمو ولي العهد بكل اقتدار ونجاح ما هي إلا نجاح وإنجاز يضاف إلى الرؤية الوطنية 2030 الطموحة فهذه من الطموحات التي يترقبها الشعب السعودي والخليجي حيث اجتمع القادة وتصالحوا وتقابلوا وجهاً لوجه والخير في محياهم.