د. أحمد محمد الألمعي
أصبحت نوعية الحياة عنصرا مهما في الصحة النفسية ونظرًا لصعوبة علاج عدد من الاضطرابات النفسية المزمنة، يتم التركيز الآن على تحسين نوعية حياة المرضى. بصرف النظر عن الطب النفسي يستخدم مفهوم جودة الحياة على نطاق واسع لتقييم فعالية علاج الاضطرابات المزمنة.
وجودة الحياة هو أحد أهداف رؤية 2030. وعنى هذا البرنامج بتحسين نمط حياة الفرد والأسرة وبناء مجتمع ينعم أفراده بأسلوب حياة متوازن، وذلك من خلال تهيئة البيئة اللازمة لدعم واستحداث خيارات جديدة تعزز مشاركة المواطن والمقيم في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية التي تساهم في تعزيز جودة حياة الفرد والأسرة، كما سيسهم تحقيق أهداف البرنامج في توليد العديد من الوظائف، وتنويع النشاط الاقتصادي مما يسهم في تعزيز مكانة المدن السعودية في ترتيب أفضل المدن العالمية.
وتعتبر دراسة جودة الحياة والرفاهية الشخصية للمريض ظاهرة حديثة وبخاصة في العقدين الماضيين. تم تسليط القليل من الاهتمام لعلاج الضعف طويل الأمد والأمراض المزمنة، وعلى العكس من ذلك تم التركيز على العلاج بصورة أكبر. ومع ذلك فقد تغير هذا الاتجاه، وتحول إلى مفهوم جودة الحياة. الهدف من العلاج الآن هو إعطاء المريض نوعية حياة جيدة، وهذا العنصر يصبح أكثر أهمية في الحالات التي يكون فيها العلاج مستحيلاً أو في حالة وجود إعاقات طويلة الأمد بسبب المرض.
في الطب النفسي تم اعتبار مفهوم جودة الحياة جانبًا مهمًا و محوريا من جوانب الصحة العقلية، ومع ذلك فإن طريقة تقييم الأطباء النفسيين للتجربة الذاتية للفرد قد تغيرت مع صعود وهبوط التحليل النفسي. مع ظهور الأساليب السلوكية المعرفية، أكد الأطباء على تأثير بيئة المريض والتقييمات الذاتية للأعراض ومشاكل الحياة. أصبحت مفاهيم التكيف الاجتماعي ومستوى نشاط الفرد مهما، ومع زيادة الوعي بالأبعاد المتعددة لنتائج العلاج وأهمية إرضاء المريض في الرعاية الصحية، أصبح بناء « جودة الحياه» QOL مجالا مهمًا للبحث والدراسة وقد تطور المجال مؤخرا بشكل كبير. في عام 1994 تم نشر أكثر من 500 مرجع وبحث في جودة الحياة» في معالجة مرض مزمن وهوانفصام الشخصية (schizophrenia) وهو من أشد الأمراض النفسية. واكتسب مفهوم جودة الحياة (QOL) أهمية خاصة في المجال الطبي في أعقاب الاتجاه التدريجي نحو إضفاء الطابع الإنساني على الأدوية عالية التقنية. لم يعد من المهم مجرد إضافة سنوات إلى حياة المرضى ولكن إضافة الجودة في تلك السنوات من الحياة أكثر أهمية. إن التركيز على علاج المرضى يظل في المقام الأول، ولكن زادت أهمية جوانب أخرى مثل الرفاهية العاطفية والاستقلالية وما إلى ذلك.
مفهوم جودة الحياة
«جودة الحياة» تعني درجة الرفاهية التي يشعر بها الفرد أو مجموعة من الناس، فعلى العكس من مفهوم مستوى المعيشة، فإن جودة الحياة ليست شيئًا ملموسًا وبالتالي لا يمكن قياسها بشكل مباشر وصريح. يتكون المفهوم من مكونين ألا وهما: الجسدي والنفسي. تشتمل الجوانب الجسدية على أمور وعناصر مثل الصحة والنظام الغذائي والحماية من الألم والأمراض. يشمل الجانب النفسي التوتر والقلق والمتعة وغيرها من الحالات العاطفية الإيجابية والسلبية. كانت نوعية حياة المرضى النفسيين مصدر قلق لعدة قرون. الأساس المنطقي الرئيسي لتطبيق مفهوم «جودة الحياة» في المجال الطبي هو فهم ما إذا كان علاج معينا يخفف الأعراض فقط، أو أنه يحسن الرفاهية الذاتية أيضًا. تعد دراسة جودة الحياة والتركيز على الإحساس الذاتي للمرضى بالرفاهية ظاهرة جديدة إلى حد ما ولم تجذب الانتباه كجانب مهم إلا خلال العقدين الماضيين.
كان الطب السابق يهيمن عليه البحث عن علاجات، وحظي علاج الأمراض المزمنة وكذلك مساعدة المرضى على التعامل مع ضعف النشاط طويل الأمد باهتمام أقل. ومع ذلك فقد تحول هذا الاتجاه لتصبح قضايا جودة الحياة أساسية عندما يكون العلاج مخففا للأعراض فقط. ويصبح هدف العلاج هو الحفاظ على الحد الأقصى من الوظائف والوجود الهادف أوجودة حياة المريضQOL. يعرّف بعض الباحثين جودة الحياة على أنها تقييم للتجارب الحياتية الإجمالية للفرد، بينما يركز بعضهم الآخر بشكل أضيق على غياب المرض والأعراض المتعلقة بالصحة، وهناك آخرون يركزون على المؤشرات المنفصلة للرفاهية الاجتماعية والمادية.
اقترح العالم Calman كالمان أن جودة الحياه تتأثر بالفرق بين توقعات الفرد والإنجازات الفعلية. بينما اقترح Wood وآخرون أن العودة إلى المستوى السابق من الأداء هي عامل حاسم. ويشمل ذلك المجالات التالية: الحركة، والرعاية الذاتية، والأنشطة اليومية، والترفيه، والتنشئة الاجتماعية، والنشاط الأسري، وقدرات التأقلم. شيبر Schipperو باحثون آخرون يتفقون على المجالات الأربعة التالية باعتبارها بالغة الأهمية لنوعية الحياة: الوظيفة الجسدية، والحالة النفسية، والتفاعل الاجتماعي، والإحساس الجسدي (مثل الألم والغثيان). يمكن الاستنتاج من المفاهيم المختلفة لجودة الحياة تلخيص مجموعة من المكونات وهي (1) رضا الشخص عن حياته ككل، أو الرفاهية العامة، (2) الرفاهية الاجتماعية والمادية التي يمكن ملاحظتها (3) رضاه عن رفاهيته الاجتماعية والمادية، أوجودة الحياة الشخصية و (4) الحالة الصحية والوظيفية، أو نوعية الحياة المرتبطة بالصحة. هذه الأبعاد من جودة الحياة مدعومة بمجموعة كبيرة من الدراسات والأبحاث في كل من الطب النفسي والتخصصات الأخرى.
مؤشرات جودة الحياة الذاتية
هناك العديد من مؤشرات جودة الحياة الذاتية. مثال على ذلك ارتبط انخفاض القدرة على الأداء اليومي وزيادة شدة الأعراض الإيجابية والسلبية والاكتئابية بسوء جودة الحياة. إن انخفاض الأعراض وحده غالبًا لا يؤدي إلى تحسن واضح محسوس في جودة الحياة لأن المشكلات الأخرى تظل موجودة مثل صعوبة إتمام الواجبات والأنشطة اليومية، ومشاكل في التواصل الاجتماعي، والبطالة وغيرها.
ترتبط القدرات المعرفية بالقدرة الوظيفية ومقدار إنتاج المجتمع وقد ترتبط أيضًا بالرضا عن الحياة. ويرتبط الأداء المعرفي الضعيف بالوضع الوظيفي والنشاط على سبيل المثال، غير متزوج، ونشاط اجتماعي منخفض، وغياب شبكة دعم اجتماعي مع انخفاض جودة الحياة الذاتية. العلم والأبحاث النفسية تتجه الى تحسين حياة الفرد حتى مع وجود المرض النفسي المزمن ويتطابق هذ الاتجاه مع رؤية المملكة 2030 والتي سيكون لها بإذن الله أثر كبير في تحسين حياة الفرد والمجتمع.
** **
@almaiahmad