شريفة الشملان
حين كنا ندرس الشعر في كل مراحلنا الدراسية، كنا نعجب لما يدرسوننا شعر من فنت عظامهم منذ آلاف السنين خاصة المعلقات التي درسناها في المتوسط والثانوي، من ثم الشعر في بدايات الإسلام وشاعره حسان بنت ثابت، والأموي والعباس وهكذا حتى نبلغ الشعر الحديث، والذي أطلق عليه في بداياته الشعر الحر، ولا يزال الشعراء يتحفوننا بين وقت وآخر بخلجات أنفسهم فتنزل انبهاراً في أرواحنا، إذ كيف ممكن أن يترجموا لنا زهرة لآلاف المعاني، حركة الريح وهي تميلها لتداعيات مورقة بالحسن والجلال. وبلغ في بعضنا القوة بمناقشة المعلمة عن ذلك فترد علينا ردوداً تخرسنا: أن الشعر هو من يمنحنا قوة في تعبيرنا وفي جمال في كلامنا وكلما قرأنا أكثر كلما قوة لغتنا ومشاعرنا.
إننا نحزن كثيراً لفقدان الأديب من كاتب ومترجم وراوي، لكننا نتألم أكثر عندما نفقد الشاعر. فالشعراء يكونون روح الأمم فما تزال الأمم بكل لغاتها تتدارس وتنثر الشعر وتعمل منه مسرحيات شعرية، تمتلئ مقاعد مسارحها بذائقي الشعر والفن. ولعلا نذكر مسرحيات كثيرة منها مسرحيات للحب، كمسرحية قيس وليلى وغيرها للشاعر أحمد شوقي.
ما زلنا نقرأ ونسمع الأشعار بحب وننتشي ببعضها، خاصة عندما تغنى، كم رددنا أغنية (تعلق قلبي) التي يقال إنها للشاعر أمرئ القيس (أراك عصي الدمع)، لأبي فراس الحمداني، و(ثورة الشك) لعبدالله الفيصل، و(غدا القاك) للهادي آدم.
عندما نرسم خارطة لشعراء بلادنا نجدها ممتدة من أقصى جنوبه لشماله لشرقه وغربه، وللذائقة الشعرية في كل منطقة لونها وجمال شعرها وتأثرنا به. هل نحن بلد الشعر والشعر لدينا ممكن أن نُعرفه أنه نسق الحياة، وهرموناتها ومبعث إشراقها وذبولها له روح ورائحة كل منطقة..
عندما نفقد شاعراً كأنما حقل نخيل ينحني معه، وكأنما الحزن يزرع شويكات ألم تغرس بروحنا..
هكذا كان يومنا الاثنين عندما غادرت روح الشاعر أحمد الحربي جسده، بعدما أنهكها السرطان.. وتخللي في كل زاوية وعرق منها.
لم تكن لي معرفة شخصية به حتى كانت ندوة في الشرقية حيث أقيم، ولظروف صحية قوية لم أستطع حضور تلك الندوة، وجدته غفر الله له وزرع طريقه بالورد والياسمين يتصل بي، ورغم كل ما بي من ألم أحسسته لا شيء أمام تعبه، عندما عرفت مرضه، وتكرم (جزاه خير الجزاء وأكرم مثواه) بإرسال ديوانين من دواوينه لي بيد صديقة لي.
طلبت مني ابنة أخيه (عبير الحربي) والتي كانت تعد رسالة الماجستير في تركيا مساعدتها بإرسال بحث لي عن عزيز نسين وعلاقته بالأدب العربي القديم منه وأوسطه، عجبت كيف عرفت عن البحث، ولكن يوم الاثنين مساء عرفت أنه الشاعر عمها من قال لها تتصل بي مع تزويدها بعدد من الأدباء والأديبات، بمعنى هذا الشاعر الموجع في جسده يتابع متابعة جيدة، جزاه الله في آخرته أجمل من كل دنياه.
هكذا كان يوم الاثنين يوماً حزيناً وصعباً على من عرفه من بعيد وقريب، تألمنا كثيراً لأسرته.. منحهم الله الصبر والسلوان وجبر كسرهم جميعاً ومنحهم قوة الأمل، ويكفيهم أن الجميع يشاركهم الحزن ويترحم على فقيدهم، فألف نور ورحمة لفقيدهم..
وقبل أن أختم أرجو أن يُنتبه للشعر ودراسته وتدارسه عبر البرامج المدرسية والبرامج العامة في محطات الإعلام الرسمي وغير الرسمي.. وتجري مسابقات بالنظم والإلقاء للشباب والكبار.
وشكراً لكل قارئ.