د.شريف بن محمد الأتربي
في المملكة العربية السعودية؛ وفي عهد سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان؛ لا يكاد يمر يوم إلا ونجد جديداً يُتحفنا ويشنّف آذاننا، ويفرح قلوبنا، بل ويتناقله العالم أجمع دلالة على عمق السعودية وقوة تأثيرها عالمياً؛ فمن اجتماع دول مجلس التعاون، والذي جرت فيه المصالحة بدون عتاب، والتأكيد على وحدة دول المجلس وتعاضدها وتضافر جهودها لمصلحة مواطنيها أولاً ومنطقتها وقارتها والعالم ثانياً. لتنطوي هذه الصفحة من الأحداث التاريخية العالمية، ويخرج علينا ولي عهدنا المحبوب الأمير محمد بن سلمان، بإعلان سيغيِّر من نظرة العالم كله لمعنى مدينة، ويعيد إلى الأذهان فكرة المدينة الفاضلة مع اختلاف التفاصيل والاتفاق في المسميات.
لقد سمعنا على مر العصور مسمى أو مصطلح المدينة الفاضلة، وتناولها الكتَّاب والأدباء والفلاسفة في كثير من الأعمال والكتابات، كانت أغلبها تشير إلى مدينة غير موجودة يتمناها البشر ليعودوا فيها إلى طبيعتهم التي خلقهم الله عليها، وأن تحكم هذه المدينة بطريقة فريدة ومتميزة. وما يهمني من هذا المسمى ما تمناه الناس من آلية المعيشة في هذه المدينة التي تمثِّل حلم الإنسانية للعيش في مجتمع مثالي لا وجود له، مجتمع يجمع بين أسباب الراحة والسعادة، وتحكمه وتؤسس فيه قيم العقل والعدل.
ولقد لفت انتباهي التصنيف الذي صنفت (ذا لاين) بناءً عليه، وهو: المدن الإدراكية، حيث يمثّل هذا الصنف من المدن كونها الجيل القادم من المدن الذكية، والمعزّزة لمجتمعاتٍ تقنية ومستدامة رقمياً، وتتميز بأنها تستفيد من البيانات بنسبة عالية. كما تمثّل نموذجاً فعَّالاً في الاستجابة للتحديات الملحّة التي تواجه البشرية، بحيث يتم تبني أساليب مبتكرة معتمدة على أحدث التقنيات والذكاء الاصطناعي لبناء مجتمعات صديقة للبيئة وللإنسان، وتحقق الاستدامة كأولويات أساسية في تصميمها.
كما تستهدف (ذا لاين) مليون شخص من جميع أنحاء العالم كمنصة للابتكار والأعمال التجارية المزدهرة لمواجهة بعض التحديات الأكثر إلحاحاً في العالم. وتتميز (ذا لاين) بأنها مدينة خالية من الانبعاثات الكربونية، وبلا ضوضاء أو تلوث، أو مركبات وشوارع، تمتد بطول 170 كيلومتراً من ساحل نيوم على البحر الأحمر شمال غرب المملكة وتمرُّ بجبال وصحراء نيوم شرقاً.
لقد كان العالم أجمع بحاجة إلى (ذا لاين) لتؤكِّد له ألا تعارض بين المدنية وبين العيش في بيئة صحية ومجتمع (إدراكي)، يوفر ميزات عديدة ربما لا تتوافر جميعها في مجتمع آخر كما يتوقّع أن توفرها (ذا لاين) منها، تمكين مفهوم المشي ليكون حجر الزاوية في الحياة العملية للنسيج الحضري، والطاقة النظيفة، كما ستُبنى جميع الأعمال والمجتمعات بشكل متصل ومتسق من خلال إطار رقمي يشمل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، لضمان تلبية احتياجات السكان.
إن (ذا لاين) تنقلنا من عالم الأحلام إلى عالم الواقع الذي يعيد صياغته الآن المملكة العربية السعودية بقيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين وسمو سيدي ولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-، لنقف جميعاً يداً واحدة وراء تحقيق الحلم الذي عجزت كل الحضارات السابقة عن تحقيقه واكتفت فقط بقراءته في كتب ومذكرات أدبائها وفلاسفتها؛ حلم بمدينة فاضلة.