د. عبدالرحمن الشلاش
قد يعتقد طالب تخرَّج لتوه من الجامعة وحصل على درجة البكالوريوس أن سوق العمل بكل شركاته ومؤسساته، ودوائر الحكومة على اختلافها ستفتح ذراعيها له لكسب خدماته بينما هذا الاعتقاد قد لا يجد له أي سند على أرض الواقع لأسباب منها أن الشهادة لا تكفي للتوظيف خاصة مع توجه سوق العمل للحصول على من يمتلكون المهارات التي تمكنهم من النجاح والتميز وتحقيق أعلى مردود لمؤسسات تبحث هي أيضاً عن الربح وتحقيق التميز والاستمرار في المنافسة.
لذلك يظل أي تعليم لا يعتمد على إكساب المهارات تعليماً عقيماً يخرِّج مجموعة من الحفظة لمعلومات لا تسمن ولا تغني. معرفة نظرية محضة وبعضهم وقد تخرَّج لكنه لا يحسن القراءة للفهم والقراءة للاستيعاب، لنتدرج للقراءة النقدية والتحليلية والتفسيرية وهكذا، ومنهم من لا يحسن الكتابة ولديه من الأخطاء الإملائية عدد شعر رأسه إن لم يكن أكثر.
يخفق كثيرٌ من الشباب في سوق العمل وحتى لو حصل على وظيفة بالواسطة نتيجة لأنه ليس لديه مهارات. منهم من يُفصل من عمله مثلاً لأنه لا يحسن أبداً التعامل مع الزبائن؛ فليس لديه صبر وطول بال ليتحمَّل العملاء على اختلافهم وهذا ما يضطر صاحب العمل للاستغناء عنه خوفاً من أن يخسر زبائنه وهم رأس ماله.
هل يدرك بعض الخريجين أن الانضباط من أهم عوامل النجاح، وأن تطويره المستمر لذاته ومهاراته، ومتابعته للمستجدات والمتغيِّرات هي سبيله للبقاء في وظيفته والترقي إلى مراكز أعلى وكسب ثقة أكبر ومردود إضافي. يوجد في كل الجامعات ساعات تدريبية قبل التخرّج يقضي الطالب خلالها فترة تدريب في سوق العمل، وكنت أوجه طلابي إلى الاهتمام التام بهذه الفترة، وأسميت هذه الفترة التدريبية بالفترة الذهبية يجب على الطالب الاستفادة منها بكل تفاصيلها لكسب أكبر قدر من المهارات، فسوق العمل حالياً يبحث عن أصحاب المهارات المتعدِّدة وتبقى الشهادة من مسوِّغات التعيين لا أكثر.
سوق العمل يتجه مستقبلاً إلى كسب أصحاب المهارات المتعدِّدة أكثر من أي وقت، وقد لا يجد أصحاب الشهادات وظائف خاصة مع ظهور إنترنت الأشياء والتحول إلى مهارات التحليل، والمهارات التقنية والصيانة وحل المشكلات الأكثر تعقيداً، وقيادة الفريق والتخطيط والتصميم، هذا يعني أننا بحاجة ماسة لإعادة النظر جدياً في مواصفات الخريجين وفقاً للتغيُّرات كي لا نهدر الكثير من الجهد والمال في تقديم مخرجات لا تجد لها أي موقع في سوق عمل ملتهب متسارع يتغيَّر ويرتفع سقف معاييره مع مرور الزمن.