رمضان جريدي العنزي
الرحلة إلى عمق الصحراء حيث الفضاء ممتد بلا مدى، المكان هادئ وممتع ويدعو للتأمل والاسترخاء، وسمفونية عذبة للجسم والحواس، عندما تتأمل بعينيك العشب والزهر ومدارج الماء والشجر، تشعر عندها بالعجب والدهشة التي تسري في أوصالك، تتخيل الشمس إذا انحدرت إلى مغربها، وكذا الفضاء بمداه الواسع، قلنا وأصحابي سنذهب لعمق الصحراء حيث بدايات الربيع بعشبه ومطره، كانت الرحلة ممتعة وغاية في التنظيم والدقة والألفة والاحترام، افترشنا الأرض، ومشينا فوقها بأقدام حافية، المكان كان مميزاً، والهواء عليلاً، والصحبة فاخرة، منظر العشب والزهر والشجر وسط الصحراء لوحة أخاذة، تنعش الأرواح، وتوقظ القلوب، وتنقل الإنسان إلى حالة مغايرة، في الصحراء تشعر بالهدوء بعيداً عن المدينة وضجيجها، حيث العين تنعم بجمال الربيع وتشكيلاته التي تضاهي في جمالها أبهر لوحات الرسامين، منظر العشب النابت للتو يأخذك حيث اللامنتهى، نحو الرحيل المطلق، والتأمل اللامتناهي. وعلى وقع الحكايا والجمر والشاي المعتق، ينبثق صوت السامري والهجيني، حيث الأصوات تنساب رقراقة بين اللحن والكلمة. منظر الربيع والفضاء المتسع يمنح أصطفاء روحياً مغايراً، ورائحة الليل فيه مثل أقحوانة شذاها فاتن، للربيع غوايات تستهوى، حيث الحلم والأمل وسرد الحكايا والهاجس والقصيد، معه يحدث الامتزاج راسماً ملامح الماضي بكل تجلياته، مع منظر الربيع تصبح كأنك عراف تسبر أغوار الماضي الدفين، محاولاً تفكيك جزيئياته وتكوين لغة شاعرية فذة ومغايرة، تحتوي تراكيب وأسسًا وعناصر حيوية لاكتمال قصيدة فاتنة، بجودة مفردة، وإتقان تصوير، وغزارة ثقافة، منظر الربيع في النهار والليل يوظف القلب، ويجعل الذاكرة مليئة بمقاطع أزمنة عتيقة، تجيء هكذا بلا مقدمات، حيث الغزل والاشتياق والظفيرة الفاتنة برائحة الحناء، والرحيل المر مروراً بتضاريس وعرة، وتيه وجفاف، وريح وعاصفة، والبحث عن نبع يعالج الظمأ، ويرد للروح العافية، مع الربيع يصبح الإنسان مغايراً حتى أنه يذوب فيه ويمتزج معه، ليصير تارة بذوراً، وتارة جذوراً، وما بين البين بخوراً أصيلاً ينفذ إلى رئة أليم لتنفتر في رأسه مضارب البدو الرحل، ورقصة الانتشاء، وقصيد الحداء، الرحلة إلى أرض الربيع مع صحبة أنيقة وفاخرة تحيلك إلى إنسان آخر غير الذي أنت، لتعود من تلك الرحلة بروح مغايرة، وذكريات خالدة، تستقر في الروح والقلب والذاكرة.