مها محمد الشريف
لا شك أن جميع القراءات المختلفة لتنصيب بايدن تتفق على تعميق إجراءات أمنية مكثفة، وفي ضوء ذلك فالموقف لا ينسجم مع مكانة الولايات المتحدة كدولة عظمى، وحالياً لو أردنا التحقيق في جميع جوانب هذه المسألة فينبغي الأخذ بالحسبان عدة احتمالات للتعرف على الغايات القصوى وتسليط الضوء من موقع العمق والدقة.
إن أمراً من الأمور التي يتسم بها وقتنا أن أولئك الذين يحسبون اليقين بأن من يحكم أمريكا رئيس وليست إدارة أو حزباً فهو بلا شك يجهل تاريخ أمريكا، من هنا نتساءل هل كانت فترة ترمب استثناء بوصول شعبوي، وأن فوز بايدن السياسي المخضرم والتقليدي هو عودة للوضع الطبيعي بطبقة حكام أمريكا، وكيف سيتجاوز بايدن حالة الانقسام مع الشعب، علماً بأن أمريكا لديها القوة والقدرة كمؤسسات لفعل ذلك لكن هل سيتغير المزاج السياسي كثيراً بأمريكا أم أنها نزوة سياسية وانتهت بوصول شخص غير سياسي ويلقى قبولاً عند قاعدة من الشعوبيين والعنصريين البيض تحديداً.
لا نريد أن نختم هذا الواقع السريع، قبل أن نذكر بأن هذه هي أمريكا وما يحدث بها ليس له مثيل في العالم فيمكن لأي مواطن حتى لو لم يكن سياسياً أن يصبح رئيساً في أمريكا نظامها يقبل الجميع، لكن بكل تأكيد مرحلة ما بعد ترمب وما مرت به سيفتح الباب لمزيد من التشريعات الناظمة أكثر للحياة السياسية وتجاوز حالة الانقسام الحاصلة حالياً التي يتصدى لها الجمهوريون كما الديمقراطيون.
مهما يكن من أمر، يتعين على جو بايدن أن يوحد صف أمريكا بما قد يُصلح من شأن الانقسام إن قُدر له أن يتدارك أمره، فحسبه كرئيس منتخب أن يكون الشخص المناسب لتوحيد صف الشعب الأمريكي المنقسم، ومنهم نحو 75 مليونًا انتخب ترمب، وهو ثاني أكبر عدد يتم تسجيله على الإطلاق في الولايات المتحدة، ومن ثم فهؤلاء الناس لهم نفس القدر من الأهمية بالنسبة لمستقبل الأمة، بل والعالم.
وبدافع الواجب والمسؤولية تضييق الفجوات المتسعة بين العديد من مختلف أطياف الشعب الأمريكي، والذين سعوا على نحو متزايد إلى فصل أنفسهم عن بعضهم البعض، المواقف ذاتها سائدة حتى يومنا الحاضر ويمثل تحدياً للحكومة الديموقراطية والتصدي للمؤسسات المسؤولة عن صياغة أسلوباً نمطياً غير مألوف عبر التاريخ.
وفي عام 2016 أجرى هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الشهير السابق، مقابلة مع الصحفي جيفري جولدبيرج، حول الانتخابات الأمريكية الأخيرة، والسياسة الدولية وسط الاضطرابات الراهنة حالياً حول العالم فكان أول سؤال، هل تحسن شعورك حول كفاءة ترمب، أو جديته؟ وكعادته ثعلب السياسة قال: علينا أن نكف عن هذا السؤال، فهو الرئيس المنتخب الآن، وعلينا أن نمنحه فرصة ليطور فلسفته، هل ستساعده؟، فرد قائلاً: لن أتواصل معه، فهذه طريقتي لكل رئيس منذ غادرت الوزارة، ولكن إن طلب رؤيتي فسأراه.
ولكن ما هي أكبر مخاوفك حول الاستقرار العالمي بعد الانتخابات؟، ورد بأن دول العالم ستتفاعل مع هذه الحالة بالصدمة، وإن حصل ذلك، فأود أن أبقي الاحتمالية مفتوحة حول إجراء حوارات جديدة. إذا قال ترمب للشعب الأمريكي: «هذه فلسفتي للسياسة الخارجية»، وكانت بعض سياساته غير متوافقة مع السياسات السابقة لكنها مرتبطة بأهدافها الرئيسة، فستستمر هذه الاحتمالية وانتهى به الحال إلى إقالة من الهيئة الاستشارية الفيدرالية المعنية بتقديم الاستشارات المستقلة من ترمب.
في السياق نفسه نستطيع القول إن أمريكا تدخل مرحلة جديدة لا تقتصر على تغيير الحزب الحاكم وممثله بايدن. بل مرحلة من الحراك السياسي الداخلي لإعادة توحيد الصفوف، إلا أن هذه المهمة لن تكون سهلة، ولكنه شيئاً من أعقد الأزمات التي واجهت أمريكا عبر تاريخها منذ قرون، فمناصرو ترمب سيكون أولئك معارضة خارج الكونجرس وهذا يمثل صعوبة بالغة وتحدياً كبيراً في عهد الرئيس الـ46 جو بايدن.