الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
لا يختلف اثنان على أن الجهل في كثير من الأمور مصيبة، والجهل بمعرفة الإسلام وأحكامه مصيبة المصائب، وآفة الآفات في المجتمعات، وحينما يكون الجهل بعقيدة السلف فإن له عواقب وخيمة، تجلب الويلات والخراب والدمار للأمة إذا تفشى وطغى؛ لأن الجهل بها مفتاح لكل شر.
ومن الأهمية بمكان وجوب معرفة العقيدة الإسلامية الصحيحة؛ لأنها أصل الدين، ومن أعظم الواجبات وآكدها.. وهي عقيدة الفِرقة الناجية (أهل السنة والجماعة).
«الجزيرة» التقت متخصصَين في العقيدة؛ ليتحدثا عن الثمرات السيئة من جراء الجهل بعقيدة السلف.. فماذا قالوا؟
الجهل مفتاح كل شر
يؤكد الدكتور عارف بن مزيد السحيمي أستاذ العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة أن الجهل بعقيدة أهل السنة والجماعة أنتج ثمرات سيئة مشاهدة في كثير من بلاد المسلمين؛ فبسبب هذا الداء تفشى في أوساط المسلمين داء الاعتراض على مسلّمات من الدين لا نزاع فيها عند السلف، وكَثُر التشبه بالكفرة فيما اختُصوا به، وانتشرت غيبة الولاة وسبهم وشتمهم، وكَثُر الخوض في مسائل السياسة التي يجهل المتكلم بها واقعها على الحقيقة، وكَثُر نشر ما يخالف مذهب السلف في وسائل التواصل الاجتماعي عن طريق أحاديث موضوعة، وكرامات مزعومة، تدعو لمذهب أو طريقة منحرفة، وتجرأ بعضهم على تفسير النصوص الشرعية بعقله دون الرجوع لفهم السلف، وكَثُر القول على الله بغير علم، وانتشرت الأفكار الإلحادية والعلمانية والليبرالية، وغيرها من الدعوات المطالبة بحرية الرأي المنفلت.
ومضى الدكتور عارف السحيمي بالقول: مع تفشي هذه الأدواء فإننا نجد تقصير جملة من المسلمين في تعلُّم أمر دينهم. واسألهم - إن شئت - عن المصنفات المختصرة في مسائل الاعتقاد لأئمة الإسلام فإنك لن تجد جوابًا، فضلاً عن دراستها، وفضلاً عن معرفة عقائد أصحاب الملل والديانات والفِرق المنتسبة للإسلام؛ فلا تعجبوا - والحالة هذه - إذاعات أهل البدع والكفرة في بلاد الإسلام فسادًا وإفسادًا فكريًّا للمسلمين. مشيرًا إلى أن الخلاص من داء الجهل يكون بدراسة المسلمين عقيدتهم الصافية على مَن عُرف بسلامة المعتقد وصحة المنهج، والعناية بتربية النشء عليها، وحينها سيكون حال المخالفين لعقيدة السلف في سفال إن شاء الله. وفّق الله المسلمين للبصيرة في الدين، إنه سميع مجيب.
التناقض وعدم التوازن
ويتفق الدكتور أحمد بن جزاع الرضيمان أستاذ العقيدة بجامعة حائل على أن للجهل في العقيدة الصحيحة آثارًا سيئة، منها:
1- الوقوع فيما ينافي التوحيد أو كماله الواجب، وهذا له أثره السيئ على مصير الإنسان. وقد جاء في صحيحَي البخاري ومسلم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَن مات يشرك بالله شيئًا دخل النار».
2- وقوعهم في الخلل في باب الولاء والبراء؛ فهم يحبون مَن وافقهم وإن كان جاهلاً متملقًا، ويذمون مَن خالفهم وإن كان سلفيًّا على الجادة؛ فيفضي هذا إلى أن يحمدوا مَن لم يحمده الله ورسوله، ويذموا من لم يذمه الله ورسوله، وتصير موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم، لا على دين الله ورسوله.
3- إرادة الإنسان بعمله الدنيا ومطامعها ومناصبها، كما هو مشاهَد من الانتهازيين الذين لم يقدروا الله حق قدره.
4- التناقض وعدم الاتزان؛ فتجدهم على سبيل المثال: يجيزون الثورات على حاكم مسلم، ويحرمونها على حاكم مسلم آخر. ولو سألت أحدهم ما الدليل على هذا التفريق؟ لأفلت يديه، يقلب كفيه، فما هي إلا أهواء ووساوس. أما صاحب العقيدة الصحيحة فمنهجه ثابت، غير متلون.
5- ومن آثار عدم التمسك بالعقيدة الوقوع في الخيانة لإمام المسلمين، ونقض البيعة ومتعلقاتها؛ ذلك أن العقيدة السلفية تنص على البيعة لإمام المسلمين، وعدم الخيانة؛ ففي الحديث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» رواه مسلم. وقال عليه الصلاة والسلام: «من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية» رواه مسلم. وقال عليه الصلاة والسلام: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم..»، وذكر منهم: «ورجل بايع إمامًا لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها وفّى، وإن لم يعطه منها لم يفِ» رواه البخاري. وقال عليه الصلاة والسلام: «ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة، يقال هذه غدرة فلان» رواه البخاري. وقال عليه الصلاة والسلام: «من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر عليه؛ فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرًا فيموت إلا مات ميتة جاهلية» رواه البخاري.
ولهذا فكل من يهون من شأن العقيدة الصحيحة فإنه يسعى للفتن والشر، ومن يدعو للتمسك بالعقيدة الصحيحة فإنه يدعو لما يصلح البلاد والعباد.