فدوى بنت سعد البواردي
لكي نتحدث عن الاقتصاد الرقمي المستقبلي، سوف نبدأ بذكر أن بداية الثورة الرقمية للمعلومات والاتصالات كانت في عام 1975، وقد استمرت إلى اليوم. وتم تسميتها بالثورة الصناعية الثالثة نسبة إلى التغييرات الهائلة التي نتجت عن ظهور الحواسب والأجهزة الرقمية ووسائل الاتصال والتطبيقات التقنية المختلفة في كافة مجالات الحياة.
ومن المتوقع أن يكون هناك ثورة صناعية رابعة، في عام 2025، وذلك بعد أن يزداد عدد مستخدمي الأجهزة الرقمية في العالم إلى حوالي 4 مليارات مستخدم جديد، وكذلك بعد أن تنتشر تطبيقات الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي. كما أن الحوسبة السحابية ستصبح هي السائدة مستقبلا للأعمال وللمؤسسات خاصة مع تقدم الأمن الالكتروني المعزز لها. ومن المتوقع أيضاً أن يتم إجراء ما نسبته حوالي 30 في المئة من عمليات التدقيق في الأعمال والمؤسسات الدولية من خلال الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب. وهذه جميعها خطوات هائلة في طريق التقدم التقني عالميا.
ومن منظور آخر، من الجدير بالذكر أن الزيادة في عدد الأجهزة المنزلية والمؤسسية المتصلة بإنترنت الأشياء IoT قد تبلغ في عام 2025 حوالي 50 مليار جهاز متصل على الأقل حول العالم. ومن اللافت كذلك في هذا المجال، انه سيشمل مستقبلا أيضاً اتصال مواد وأغراض الحياة اليومية بالإنترنت، مثل النظارات والملابس، مما سيكون له فوائد للأفراد من خلال الوصول المباشر للبيانات المتعلقة بالطقس وكذلك مصادر القراءة والاطلاع والعمل والتنقل.
وهذا ليس كل شيء، حيث إن العديد من الخدمات الحالية سوف تعزز كذلك بالروبوتات وأنظمة آليات الاستشعار الذكية، والتي بدورها ستوفر الكثير من الجهد الحالي في قطاعات الصناعة والصحة والطاقة والزراعة والتعليم والبناء وغيرها.
ومن المتوقع أن يتم انتشار وبشكل كبير للسيارات ووسائل التنقل بدون سائق والتي تعمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي وآليات الاستشعار. وكذلك، سيتم انضمام بعض روبوتات الذكاء الاصطناعي «كأفراد ومستشارين» إلى اجتماعات المديرين التنفيذيين، في المستقبل القريب.
كما انه تم البدء في اعتماد التقنية بشكل كامل بدلا من المستندات الوثائقية الحالية، وذلك يشمل اعتماد الهويات الالكترونية بدلا من البطاقات اليدوية، وكذلك إلغاء جوازات السفر التقليدية، حيث سوف يتم توثيق وتأكيد التحقق والتعرف على الأشخاص، بشكل كامل وفي جميع المجالات، من خلال اليد أو العين أو الصوت، وتخزين جميع تلك البيانات في الأنظمة المختصة. وسوف يشمل الاعتماد على التقنية في استبدال الصكوك الورقية وجميع الوثائق الأخرى بالنسخ الالكترونية، إلى الحد الذي يتم فيه التوقف عن استخدام الأوراق بشكل كامل قريبا.
ومن الخطوات الكبيرة التي سوف يشملها التقدم التقني كذلك هي الإنجازات في مجال تكنولوجيا «فيزياء الكم» أو ما يعرف بـ Quantum Technology حيث ستزيد سرعة الأجهزة الرقمية، وبالتالي ستتم معالجة البيانات بنسبة كبيرة. وكذلك سيشمل التقدم التقني مجال الطباعة الثلاثية 3D Printing والذي اثبت نجاحه في العديد من المجالات مثل المجال الصحي والعمليات الجراحية، حيث سيتم بناء الأعضاء البشرية اعتمادا على خلايا الأشخاص مثل القلب والكبد والكلى وغيرها، مما يضمن نجاحاً اكبر لنسبة التشافي ونسبة قبول تلك الأعضاء في أجسام المرضى. ومن المخطط له كذلك أن يتم خلق حوالي 5 في المئة من المنتجات الصناعية مستقبلا عن طريق الطباعة الثلاثية ويشمل ذلك السيارات وقطع الغيار الخاصة بها.
وجميع تلك الجهود ستؤثر إيجابا على الاقتصاد الرقمي العالمي، حيث سيتم توفير ما يقرب من 300 مليار دولار من التكاليف سنوياً حول العالم.
ومع الجهود الكبيرة التي تقوم بها الكثير من الدول، تتصدر المملكة العربية السعودية تلك الجهود، عن طريق تعزيز المستوى العلمي والتعليمي والثقافي للأفراد، من اجل أن تصبح التقنية قريبا في متناول الجميع، وبمنتهى اليسر، بما في ذلك كبار السن وذلك من أهداف برنامج جودة الحياة بالمملكة.
وكذلك من الخطوات المميزة التي اتخذتها المملكة العربية السعودية من أجل تعزيز الاقتصاد الوطني، تمت موافقة مجلس الوزراء السعودي في شهر 12 عام 2020 على «سياسة الاقتصاد الرقمي» في السعودية، والتي تعمل على تشجيع الشراكات الدولية والاستثمار والتنمية المستدامة والابتكار في مجالات التقنية والتحول الرقمي، وذلك ضمن رؤية 2030. كما أنه تم إنشاء منظمة دولية للتعاون الرقمي مؤخرا، يتكون من 5 دول، للمساهمة في تحقيق تلك الأهداف، وسيتم كذلك إطلاق منتدى عالمي للاقتصاد الرقمي قريبا كفعالية تبرز دور المملكة العربية السعودية النشط والفعال في تنمية الاقتصاد الرقمي دولياً.