مها محمد الشريف
رغم ما شهدته الانتخابات الأمريكية من إثارة غير مسبوقة وعدم الاعتراف بالهزيمة من قبل الرئيس السابق ترمب وما شهدته الأحداث من تطورات غير متوقعة باقتحام مناصري ترمب للكونجرس في يوم التصديق على نتائج الانتخابات في 6 يناير لكن في نهاية المطاف فرضت إرادة الشعب وأدى الرئيس جو بايدن القسم ليكون الرئيس الـ46 للولايات المتحدة الأمريكية ولتؤكد بذلك الدولة الأكبر في العالم قوة نظامها الديمقراطي وصلابة مؤسسات الحكم ورسوخ مبادئ الدستور الذي يحمي الشعب من الحكومة.
لكن رغم عراقة التجربة الديمقراطية لأمريكا والالتزام بالتشريعات الدستورية كان هناك خلاف برز مع هذه الانتخابات عزاه البعض إلى أن هناك حاجة لتحديث هذه التشريعات، إذ تعلق الأمر بعدة عوامل منها من رأى أن الآلية الانتخابية يجب أن تتغير عما هو قائم حالياً ولكن في حقيقة الأمر الذي شكل عامل المفاجأة الأكبر في هذه الانتخابات هو انتشار وباء كورونا وانعكاساته الخطيرة على صحة البشر وما خلفه من وفيات بلغت نحو 400 ألف مواطن أمريكي، وأرقام كبيرة من العاطلين عن العمل تحدد معنى كبيراً للبؤس، هي بالفعل إحصاءات كارثية حولت أمريكا والعالم إلى انهيار اقتصادي في الشهور الماضية، وأحدث خرقاً وتغيراً في العلاقات الاجتماعية والسياسية، تعطلت على إثرها نواحٍ كثيرة في الحياة كالتعليم والتجارة والسفر وغيره، وبإلقائنا نظرة على كيفية تأثيراته وانعكاساته الخطيرة على السياسة ومنها تأثيره السلبي في الحملة الانتخابية للرئاسة الأمريكية الحالية 2020 وتحديداً على مستقبل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب الذي كان يحلم بولاية رئاسية ثانية أمام جو بايدن مرشح الديمقراطيين.
لقد شكلت جائحة كورونا خطراً على الرئيس الأمريكي دونالد ترمب منذ إصابته أوائل شهر أكتوبر الماضي 2020 بعدوى الفيروس، وعلى مخططاته للمستقبل، واهتزت ثقة الكثير به، ومن ناحية أخرى، ثمة سبب وجيه لأن يكون التغيير صعباً، حيث لا يتوافق مع العالم من حوله، وذلك كان السبب الذي أدى لحالة من الفوضى وأسهم في زعزعة التقديرات الإيجابية في الشارع الأمريكي، وتعويض الإخفاقات الحاصلة في المجال الاقتصادي، وحتى نكون واضحين، فإن هذا ليس نتيجة لعبقرية بقدر ما هو ضعف تقدير للموقف، فقد خسر ترمب رغم عدد الناخبين الضخم الذين صوتوا له، وتم انتهاز هذه الفرص والتي تعد سانحة لخصومه الديمقراطيين من التأثير في الناخبين.
يعتقد الكثيرون من خبراء السياسة في أمريكا أن كورونا هي من هزمت ترمب لكن عندما تبدو المهمة كبيرة جداً كما هو حال مواجهة هذه الجائحة، فإن مخاطبة الشعب بالحجة العقلية والدليل المنطقي يساعد كثيراً على قوة تأثير الأفكار التي بثت في الجماعات بواسطة التأكيد والتكرار كونها تنتهي باكتساب قوة خفية تمتلك زمام الأمور، ولكن الفيروس غير كل الاحتمالات وانعكس سلباً على الفترة الزمنية التي رافقت بدء التصويت وشاهدنا الانقسام المؤثر في الشارع الأمريكي، فمهما كانت الأسباب رحل ترمب وغادر البيت الأبيض وسلم السلطة لبايدن بعد أن ترك له رسالة ودية.