محمد آل الشيخ
اليوم وفي عصر (الدولة الوطنية) لا يمكن أن تفتح باب الانتماء لكل مسلم في أرجاء المعمورة ليشاركك في وطنك، لكونه يدين بدين الإسلام. صحيح أن الانتماء لدين الإسلام كان في الماضي، وفي عصور ما قبل الدولة الوطنية، يخولك الحصول على نفس الحقوق التي ينالها المسلم صاحب الأرض، أما في عصور الدولة الوطنية التي نعيش فيها الآن، فالمواطن هو صاحب الأرض تكون له الأولوية على الوافد وإن شاركك في الدين أو العرق، كما أن الإخاء لم يعد في الدين فقط وإنما أصبح في الوطن، وأصبح لنيل الجنسية الوطنية شروط وواجبات يحددها القانون.
المنتمون للإسلام السياسي يرفضون الدولة الوطنية، ويعتبرون أن الانتماء للوطن، ضرب من ضروب (الوثنية) التي لا يُقرُّها الإسلام، وهم بذلك يدعون إلى أن تُفتح أبواب الدول الإسلامية على مصاريعها لكل المسلمين، بحيث يكون للفرد المسلم الحق كاملاً في اختيار (الجنسية الإسلامية) التي يرغب. وكان مرشد جماعة الإخوان المسلمين في مصر «مهدي عاكف» قد أدلى بتصريح إعلامي قال فيه (طز في مصر، وأبو مصر، واللي في مصر).. وأضاف أنه يقبل بأن يتولى حكم مصر آسيوي (طالما أنه مسلم). فهذه الجماعة المتأسلمة تعتبر أن جنسية المسلم هي عقيدته، وليست الجغرافيا التي يعيش فيها. ومن المضحك المثير للسخرية والتناقض في الوقت ذاته أن تلك الجماعة (ترفض) أن يتولى منصب المرشد في هيكلها التنظيمي (غير مصري)؛ وهذا يدل على أنهم يظهرون للعلن غير ما يبطنونه في الخفاء.
وسبق لي أن سألت إخوانياً عن رفضهم للانتماء الوطني وتقديم الانتماء العقدي عليه، فقال: هات لي نص يقول بذلك وأنا أقبله. قلت: أنتم تقولون إن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وانتماء الفرد الجغرافي أصبح جزءاً من هويته، وهذا منطق العصر الذي اتفقت عليه شعوب العالم اليوم؛ لذلك فأنتم عندما ترفضون هذا المنطق فإنكم تعلنون من حيث لا تعلمون أن الإسلام وفق الرؤية الإخوانية لا يتماهى مع منطق العصر الذي هو منطق زماننا هذا. سكت ولم يدرِ ما يقول.
تَحجُّر الجماعات الإسلامية، وعدم قدرتها على مواكبة المتغيرات الزمانية في العالم، يثبت أنها غير قادرة على الإتيان برؤية واقعية تستطيع أن تتفاعل بإيجابية مع قيم العصر ومتغيراته؛ فأنت إذا فرضت منطق الماضي على الحاضر، واعتبرت أن الماضي ثابتٌ لا يتغير، فأنت (تجمد) دين الإسلام، مع أن العبرة بالمصلحة وليس بالماضي فقط لكونه ماضياً، فكما قال ابن القيم ( أينما تكون المصلحة فثم شرع الله)، ومثل هذه القاعدة الفقهية يمكن تفعيلها هنا ليكون الإسلام فعلاً صالحاً لكل زمان ومكان.
لذلك فإن العصر، ومنطق (الدولة الوطنية)، ومصالح المسلمين، تحتِّم على المسلم المعاصر أن يتعامل على أساس أن (الوطن أولاً) طالما أن العقيدة يشاركك فيها أكثر من ملياري مسلم موزعين على دول العالم.
إلى اللقاء