د. عبدالرحمن الشلاش
التعليم عن بعد ظهر كبديل تعليمي منذ زمن ليس بالقصير، لكن لم يأخذ الحيز الكافي من العناية، وربما اعتُبر أسلوبًا مساندًا من الأساليب التعليمية الشائعة، كما لم تكن الثقة فيه مطلقة على اعتبار أن التعليم التقليدي أكثر موثوقية، وأكبر فاعلية؛ إذ تتم عمليات التعليم وجهًا لوجه في أجواء تفاعلية متفردة عن أجواء التعليم عن بعد؛ فالمعلم أو المعلمة في مكان، والطلاب والطالبات في مكان آخر، يفصلهم مسافات قد تكون طويلة، وقد يكون الطرف الأول في دولة أو مدينة، والطرف الثاني في دولة أو مدينة أخرى. ومع توافر الهواتف الذكية صار الطلبة يتلقون تعليمهم في أي مكان، في المنزل، وفي الطريق، وفي الأسواق، وفي المطاعم.. وقد يترك بعض الطلبة هواتفهم مفتوحة، ويغطون في نوم عميق.
في ظل عدم القدرة على ضبط الأمور بشكل دقيق لتعليم يتم عن بعد فرضته جائحة كورونا تولت الأمهات الفاضلات الشامخات القيام بأدوار عظيمة، وتحملن المسؤوليات لمواجهة أعباء عظيمة، تنوء بحملها الجبال الرواسي. كثير من الأمهات يتولين متابعة الأبناء والبنات من الصباح الباكر لحظة إيقاظهم من النوم وإعداد وجبات الإفطار لهم، ثم الجلوس معهم في أوقات تلقيهم الدروس، وربما تلقي الدروس بالنيابة عنهم لدى بعض الأمهات، خاصة إذا كان الأبناء كسالى، أو ما زالوا يرقدون في أسرّتهم.
مع التعليم عن بعد أثناء جائحة كورونا ظهرت أدوار الأمهات كما لم تظهر من قبل؛ وهو ما دفعني لإطلاق مصطلح «الأمهات المعلمات». الأم تحملت حتى أدوار المعلمين والمعلمات؛ فأصبحت الأم تدرِّس وتساعد الأبناء والبنات في شرح الدروس غير المفهومة، وحل الواجبات، والمذاكرة للاختبارات. وتقف الأمهات مع الأبناء أثناء أداء الاختبارات، ولا يعرف ماذا يتم في بعض البيوت من مساعدات تقدم للأبناء والبنات لضمان درجات عالية، فهل تسهم بعض الأمهات في تزويد أبنائها وبناتها بالمعلومات غير المشروعة نتيجة تدني مستوى الوعي لديهن؟
التعليم عن بعد هو في نظري حل لا بد منه في ظل الجائحة وصعوبة ذهاب الأبناء والبنات للمدارس خوفًا عليهم من العدوى، لكنه لا يصلح أن يكون حلاً دائمًا في جميع الأوقات نتيجة السلبيات التي أفرزها، منها حرمان الطلبة من الحضور للمدارس وفرص الأنشطة والتربية إلى جانب التعليم وأجواء التفاعل مع الزملاء والزميلات من الطلاب، وأداء الاختبارات في أجواء انضباطية.
كما أضاف على الأمهات أعباء التعليم والتدريس والمتابعة المستمرة إلى جانب أعبائهن المعتادة، وهو الأمر الذي جعل كثيرًا من الأمهات يتمنين اليوم قبل الغد عودة أبنائهن وبناتهن إلى مدارسهم سالمين غانمين.