عثمان بن حمد أباالخيل
ينسب البعض مقولة «لو كان الفقر رجلاً لقتلته» للإمام على كرَّم الله وجهه، مقولة يعشقها الفقراء سواء أكان فقرًا عاديًا أم مدقعًا، والفقر هو العوز والحاجة. والجمع: مَفاقِرُ. كيف أدعو الناس أن يكونوا فقراء؟ دعوة غريبة. لست بحاجة إلى أن أدعو للفقر فغالبية الناس بطبعهم فقراء حتى أصحاب الملايين، والأغنياء والوجهاء. قد أكون مخطئًا، الناس بطبعهم أغنياء لكنهم فقراء بالعطاء. كيف تصبح فقيرًا وأنت وأنتِ تقعان تحت مظلة الفقر؟ إنه الفقر العاطفي الإنساني، إنه فقر الفراغ العاطفي في حياة الكثير من الناس.
فجوة كبيرة في حياة الكثير من الناس: كيف نردمها؟ كيف نشعر الآخرين بحبنا ومشاعرنا وكلماتنا الجميلة التي تدخل القلب والعقل؟ أهي البيئة التي تربي الإنسان؟ أم هو الخجل من ترديد كلمات الحب والمشاعر الإنسانية؟ كيف نردم الفجوة؟ هل تأخر الكثير من ردمها وجعلها هوّة كبيرة؟ هل تحوّلتْ الفجوة إلى مشاعر سلبية قاتلة؟
الزوج لماذا يتردد ويبخل على زوجته في أسماعها بضع كلمات في الحب والإعجاب؟ الزوجة: لماذا تخاف أن تقول ما في داخلها؟ لماذا لا نُسمع أطفالنا كلمات الحب والمشاعر الإنسانية كيف يتعلّمون ما لمْ نعلّمهم؟ لماذا نستغرب حين سماعنا كلمات عاطفية في مجالسنا العائلية؟ لماذا نتلفت من حولنا حين سماعها؟ كبار السن هم أكثر الناس بحاجة إلى الحب والحنان وليسوا بحاجة إلى لقمة العيش.
لماذا نسبة الطلاق في مجتمعنا مرتفعة؟ من تلك الأسباب - وما أكثرها - موت العاطفة وإحلال الجفاف والتصحّر، أمهاتنا، وهل هناك أعز وأطيب وأقرب إلى القلب من الأم: لماذا لا نردد في إسماعها كلمات تشرح صدرها ونهديها كلمات الإعجاب والولاء والعطاء. لماذا لا تحتوي الأسرة نفسها وإشباع أفرادها بالحب والعطاء وطرد الفراغ العاطفي من النافذة والباب. حفيدتي أريج وأختها أسيل تبتسمان حين أسمعهما كلامًا جميلاً بهدوء رغم صغر سنهما. من السهل أن تصبح فقيرًا وأنت غني، ومن الصعب أن تصبح غنيًا وأنت فقير.
جفاف العواطف بين الناس، تصحّر المشاعر الإنسانية بين الناس كيف نسقيها بماء يُنبت ويسقي ويبقي الحياة وردية، هذا الجفاف أصبح يتلوّن بألوان غير مناسبة للذوق والحياة، كم هو جميل أنْ نروي حياتنا بالحب، كيف نقتل الفقر العاطفي في داخلنا؟ الأمر ليس صعبًا، إنه العودة إلى الطبيعة البشرية التي غرسها الله في قلوبنا، إنه أمر جبلِّي مكتسب، لا أدعو أن تكون فقيراً بالمعني المعروف، لكنني أدعو الجميع أن ينبذوا الفقر بمعناه العاطفي.
ومن أبسط صور الحب تقديم الهدية، والهدية ليست بقيمتها المادية، بل بالقيمة المعنوية، ومهما بلغ الإنسان من الغنى فهو يحب الهدية، وهي تؤلِّف بين القلوب؛ فالهدية من هديه - صلى الله عليه وسلم - التي حضَّ عليها، حيث قال: (تَهَادُوا تَحَابُّوا) رواه البخاري.
وفي الختام.. الفراغ العاطفي بين الناس يولِّد البعد ويقرِّب الشقاق، كلمات قليلة تثلج الصدر وتزرع الأمل في قلوب من حولك، فلا تحوّل حياتك الزوجية وعلاقاتك مع الآخرين ومع من تحب من الأهل والأقارب ومع الناس جميعًا إلى أرضٍ جرداء مع أن إحياءها بكلمات قليلة من القلب. الحياة جميلة ومن أجمل ما فيها الحب الفطري. قال عمر بن الخطاب -رضي اللّه عنه -: إنّ مما يصفي لك ودّ أخيك أن تبدأه بالسلام إذا لقيته، وأن تدعوه بأحبّ الأسماء إليه، وأن توسّع له في المجلس.