تعرف اللغويات بالدراسة العلمية للغة، وتنقسم إلى فرعين رئيسيين: اللغويات النظرية، واللغويات التطبيقية. ففي حين تركِّز الأولى على الجوانب النظرية لعلوم اللغة كالنحو والصرف وعلم الأصوات وعلم الصوتيات، يشير مصطلح «اللغويات التطبيقية» إلى مجموعة واسعة من الأنشطة التي تتضمن حل بعض المشكلات المتعلِّقة باللغة أو معالجة بعض المخاوف المتعلِّقة بها. فعلم اللغة الاجتماعي -على سبيل المثال- يُعنى بدراسة كيفية تأثير بعض العوامل (كالطبقة الاجتماعية التي يعيش فيها الفرد، والعمر، والمستوى التعليمي، والجنس) على طريقة استخدام الأفراد للغة ما.
غير أننا -في هذا المقال- سنعرض نبذة عن فرع آخر من فروع اللغويات التطبيقية، ألا وهو: اللغويات الجنائية والتي تُعنى باستخدام اللغة في المجالات القانونية والقضائية.
تعود نشأة هذا الفرع - الحديث نسبياً - من اللغويات إلى عام 1976م، حين قام اللغوي جان سفارتفك بتحليل النصوص الخاصة باعترافات أحد المتهمين، وهو سائق شاحنة من مقاطعة ويلز البريطانية، حيث تمت إدانته -بناءً على تلك التحليلات- والحكم عليه بالإعدام؛ لقيامه بقتل ابنته ذات الثلاثة عشر شهراً، ومن هنا درج استخدام مصطلح اللغويات الجنائية.
تتمثَّل مهام اللغوي الجنائي في: تحليل النزاعات حول العلامات التجارية، والملكية الفكرية، وتحديد هوية الكاتب (في الرسائل النصية، والبريد الإلكتروني، ورسائل التهديد ... إلخ) والوصايا، وإفادات الشهود، والاعترافات، وغيرها. ولا يقتصر عملهم على النصوص المكتوبة فحسب، بل إنهم يقدِّمون الاستشارات حول التسجيلات الصوتية، حيث بإمكانهم تحديد هوية المتحدث بمقارنة «بصمة الصوت» والخصائص الصوتية الفيزيائية التي يمكن الاعتماد عليها لتحديد جنس وعمر المتحدث، وغيرها من السمات. وهنا يجب التمييز بين ما يقوم به اللغويون الجنائيون وخبراء تحليل الخطوط الذين تتمثَّل مهامهم في تحليل الخصائص الفيزيائية وأنماط الكتابة اليدوية في محاولة التعرّف على الكاتب، أو الإشارة إلى حالته النفسية وقت الكتابة، أو تقييم سمات الشخصية.
من هنا، أود الإشارة إلى أنه إلى جانب جهود حكومتنا الرشيدة في تحديث مخرجات التعليم لتلائم سوق العمل، ثمة حاجة للتعريف بهذا التخصص وإدراجه ضمن برامج الماجستير في جامعات مملكتنا، لتأهيل الباحثين للعمل في هذا المجال في القطاعات المعنية.