أعدَّ الملف - صالح الخزمري:
في هذا الملف نسعى لاستنطاق عمر ممتد من العطاء الثقافي لرمز وطني كبير قدّم كثيرًا ولم يتوقف إلا بعدما أقعدته الشيخوخة والوهن ، والملف دعاء له بطول العمر ودعوة لاستعادة حضوره الشخصي والمعنوي ...
* * *
المثقف.. الإداري.. والدبلوماسي.. ورجل الأعمال
هناك ثلاثة ملامح رئيسة في شخصية الأستاذ الكبير عبدالمقصود محمد سعيد خوجة طغت عليها شخصيته «المثقف» الذي أوجد حراكاً واسع النطاق في الساحة الثقافية ليس فقط على مستوى المملكة العربية السعودية وإنما على مستوى المنطقة والعالم وذلك من خلال تأسيسه «لمنتدى الإثنينية» في العام 1403هـ الموافق 1982م بمدينة جدة امتداداً لتاريخ والده محمد سعيد عبدالمقصود خوجة الثقافي العريض كأحد أهم ركائز الثقافة في الحجاز منذ تاريخ بعيد (1) سواء من خلال عمله المبكر في عام 1345هـ مديراً لتحرير جريدة أم القرى ثم مديراً عاماً لمطابعها.. أو من خلال إصداره كتاب «وحي الصحراء» يعاونه في ذلك «عبد الله بلخير» الذي أصبح بعد ذلك مديراً عاماً للإذاعة والصحافة والنشر ثم قيام الأستاذ الخوجة «الأب» بطباعة كتاب «تاريخ مكة» للأزرقي في «3» أجزاء تحقيق رشدي ملحس جنباً إلى جنب استضافته في مكة المكرمة للعديد من المفكرين والمثقفين العرب والمسلمين أثناء مواسم الحج وإقامة حوارات مفتوحة معهم إثراء للحركة الفكرية في الحجاز وربطها بروافد الفكر العربي والإسلامي في كل أصقاع الدنيا.
ومن الطبيعي أن تتشكل شخصية الابن «عبدالمقصود» في هذه الحاضنة الفكرية المبكرة لتتولد عنها تلك الملامح الثلاث وهي:
أولاً: شخصية الإداري المحنك، وقد اكتسب هذه الشخصية من خلال عمله في وقت مبكر مديراً للمكتب الخاص لمعالي مدير عام الإذاعة والصحافة والنشر «الأستاذ عبد الله بلخير» وهي المهمة التي أسست للعمل الإعلامي بالمملكة العربية السعودية بعد ذلك، ومعروف أن «بلخير» كان مترجماً للملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، ثم أصبح رئيساً بالنيابة لديوان الملك سعود إلى أن عين بعد ذلك وزير دولة لشؤون الإذاعة والصحافة والنشر، وكان «عبدالمقصود» بمنزلة نقطة الارتكاز في شبكة الاتصالات بين أصحاب القرار وشريكاً في التخطيط لمراحل الانتقال الحساسة في الدولة السعودية بين فترتي حكم الملك سعود بن عبدالعزيز والملك فيصل بن عبدالعزيز يرحمهما الله، وتكونت لديه خبرة واسعة في منهجية الإدارة والتخطيط وفي التعامل مع مرحلة دقيقة وحساسة وثرية أيضاً.
ثانياً: الشخصية الدبلوماسية، وقد اكتسب هذه الشخصية من خلال عمله مندوباً للديوان الملكي ومفوضاً بالسفارة السعودية في بيروت في وقت كانت فيه ملامح الدبلوماسية السعودية تبرز على الصعيد الإقليمي لتقوم بدور مهم في صناعة مستقبل المنطقة العربية، وكانت له اتصالات واسعة بصانعي القرار تمخض عنها إلمامه بتفاصيل العمل الدبلوماسي، وتفتحت ذهنيته بفعل قراءاته الواسعة للانغماس في دهاليز السياسة وبواطنها.. ونضجت تجربته في تلك الفترة بصورة جعلته قريباً من بعض رموز السلطة وكسب ثقة الجميع وصداقتهم.
ثالثاً: شخصية رجل الأعمال، وهي التي استطاع «عبدالمقصود» أن يوظفها لخدمة شغفه الثقافي بامتياز.. وأصبح بذلك يملك ثروتين، ثروة المادة التي مكنته من العمل على أصعدة المال والتجارة والتواصل مع كبار رجال المال والأعمال في أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط والدخول في شراكات كبيرة شغلته لفترة طويلة من العمر عن اهتماماته الحسية والمعرفية بالكثير من التنقل والترحال لمتابعة أعماله.. وثروة الفكر واحتضان رموزه - بعد ذلك - ولكن شخصية الإنسان والمثقف استعادت بهاءها في مطلع عام 1400هـ الموافق 1980م يوم أن شعر «أبو محمد» بأن الوقت قد حان لكي يعود إلى «منبته الأساسي».. حيث بدأ يتخفف من وطأة انشغالاته العملية.. ويتفرغ للتخطيط لعمل ثقافي واسع وعريض ومؤثر.
وهكذا ظهرت الإثنينية كمؤسسة علمية وثقافية وحضارية للحفاظ على الموروث الثقافي والفكري والاحتفاء بالرواد والاحتضان للخبرات وللطاقات الشابة المبدعة برؤية منفتحة على كل ما يخدم الإنسانية بعيداً عن الصراعات الفكرية والخلافات السياسية والمذهبية، وتعاملاً مع كل ما يرتقي بالإنسانية إلى أعلى المراتب.
لكن توقف هذا النبع الثقافي العظيم مؤخراً لظروف المفكر والإنسان الأستاذ عبدالمقصود خوجة ترك فراغاً هائلاً لم يستطع أحد ملأه حتى الآن، وكأن أحد شرايين الحياة قد توقف الآن تماماً.
... ... ...
- د. هاشم عبده هاشم
* * *
لمحات حول الإثنينية
عبدالمقصود قامة ثقافية سامقة عشق الحرف والكلمة، وبذل في سبيلهما الشيء الكثير من وقته وماله، فهو بحق رائد من رواد الحركة العلمية والثقافية في المملكة، وتُعدّ الإثنينية مصدر إشعاع للعلم والمعرفة من خلال ما يدور في رحابها من ندوات وأمسيات ومحاضرات علمية وأدبية وثقافية لكوكبة من الشخصيات الثقافية والعلمية في المملكة العربية السعودية وفي الوطن العربي وخارجه، وقد كان لهذه الإثنينية دور كبير وأثر واسع النطاق في الحركة الأدبية والعلمية في المملكة العربية السعودية، وخارجها فقد استضافت كبار الشخصيات العلمية والثقافية، التي أفاضت في الحديث عن جوانب وموضوعات ذات فائدة قصوى في الأدب والثقافة والمعرفة بعامة، وقد سعدت وشرفت باستضافة الإثنينية لي في 2 / 11 / 1412هـ - 4 / 5 / 1992م، ولا بد أن أشير إلى أمر مهم وهو أن ما يلقى في الإثنينية يُوثق ويُسجل ويُنشر وتوّج ذلك العمل الجليل الذي تمثل في نشر ما دار في الإثنينية من محاضرات وندوات بين عامي 1403 - 1426هـ في اثنين وعشرين مجلداً، وإلى جانب ذلك عمل جليل تمثل في نشر آثار وجهود كبار الأدباء والشعراء في المملكة العربية السعودية في موسوعة كبيرة بلغت (96) مجلداً، وقد سار في هذا العمل الثقافي الرائد على نهج والده محمد سعيد خوجة، الذي كان رائداً من رواد الحركة العلمية والأدبية، وكان له ملتقى يحضره كبار الشخصيات العلمية والأدبية، وله جهود واضحة في طباعة الكتب مثل كتاب تاريخ مكة للأزرقي، وله كتاب الأدب الحجازي، ورأس تحرير مجلة أم القرى.
... ... ...
- أ.د. عبد الله بن عبد الرحيم عسيلان
* * *
الأديب والقاص
عرفت منتدى الإثنينية بجدة أكثر عندما أشرفت وأنا على رأس العمل على المكتبة العامة بالطائف، إذ استجابت سكرتارية الإثنينية لطلبي تزويد المكتبة العامة بالطائف بمطبوعاتها وأسهم الشيخ عبدالمقصود خوجة بتأمين جهاز حاسب لفهرسة كتب المكتبة وتصنيفها.
وعرفت عبدالمقصود خوجة بعد انتقالي للرياض، أثناء أمسية الاحتفاء باسمي في ليلة من ليالي الإثنينية كرم ضيافة وندوة منبرية وجدته يعرفني أكثر مني وهو يقدمني للحضور بعد تمنع لا أعرف سببه.
عبدالمقصود خوجة كرجل أعمال ناجح اسم بارز. وكمثقف وأديب يعرفه الخاصة منتدى الإثنينية أثرى الساحة الأدبية والثقافية بمنتداه المتنوع وأثرى المكتبة العربية بإصداراته وكان يداعب مخيلته حلمان إصدار أعمال الأسماء الواردة في كتاب والده وحي الصحراء وأنجز ذلك بما بين يدينا من هذه الإصدارات وقد اعتنى وبشكل خاص بأعمال الشاعر والمفكر حمزة شحاته. والحلم الثاني وقفية الإثنينية لتبقى كمؤسسة غير ربحية تخدم الساحة الأدبية والثقافية في المملكة العربية السعودية وقد استشار البعض لتحقيق هذا الهدف النبيل الذي تعثر بعوامل مجهولة.
عبدالمقصود خوجة ومنتدى الإثنينية حالة فريدة تعانق فيه الوفاء لمنجز والده وتخليد اسمه ونشاط أثرى الساحة الأدبية والثقافية بمحاورة الضيوف وملامسة فكرهم على مساحة الوطن والعالم. وأتمنى أن يعاد التفكير في وقفية الإثنينية بدعم الأصدقاء ونحن نتحدث عن قامة وطنية لها مشاركة إنسانية واجتماعية حافلة بالخير.
... ... ...
- محمد الشقحاء
* * *
إطلالة على جهوده الثقافية
هو رائد من رواد الحركة الثقافية في بلادنا؛ سأجاوز معلومات الوو كيبيديا وأكتب انطباعات تلقائية من شاهد حضر بعض الملتقيات؛ وسعد بدعوات بعض المكرمين الذين آنسوا من صديقهم خيراً؛ فدعوه في حفلات تكريمهم؛ وراعني في هذه اللقاءات حسن التقديم والتنظيم الذي يشرف عليه عبدالمقصود خوجة شخصياً ويدعو أشهر المذيعين وأنداهم صوتاً ليشجو الحضور بأصواتهم الندية.
له باعه الطويل في المشهد الثقافي منذ التأسيس الأول للدولة السعودية الحديثة على يد المؤسس الأول الملك عبدالعزيز يرحمه الله؛ فقد ألف كتاباً بمشاركة الأستاذ عبدالله بلخير عن الأدب في المملكة؛ وله باعه في النشاط الصحفي تحريراً؛ وإدارة؛ وتأسيساً؛ ولما منّ الله عليه بالمال من شقا يديه لم يبخل على الحركة الثقافية وعالمها الثقافي بمختلف طوائفه الإبداعية نساء ورجالاً أن يسخر ذلك المال للعناية بأحوالهم؛ فأكرمهم وشجعهم على طبع مؤلفاتهم إما إسهاماً في نشرها أو طبعها على حساب الإثنينية
وقد أنجزت كتاباً عن المنتديات الثقافية بمنطقة مكة المكرمة؛ سيصدر عن دار السروات قريباً ضمنته حديثاً عن الإثنينية وفعالياتها.
... ... ...
- د. عالي القرشي
* * *
في مضمار السبق
الشيخ عبدالمقصود خوجة علم من أعلام الوسط الثقافي في بلادنا، ورث حب الثقافة والأدب عن والده محمد سعيد عبدالمقصود خوجة، فقد كان والده مثقفاً محباً للأدب، رأس تحرير جريدة أم القرى، وكتب مقالات اجتماعية نقدية اشتهرت باسمه المستعار (الغربال)، كما صدرت له بعض المؤلفات الأدبية، فعاش ابنه عبدالمقصود وسط هذه البيئة المشبعة بالثقافة والمثقفين، وتسرب إلى قلبه حبها. فعاش حياته حريصاً على السير على منوال والده، واقتفاء أثره في دعم الوسط الثقافي في بلاده.
من أشهر ما قدمه عبدالمقصود خوجة للثقافة والمثقفين، منتداه الاثنيني الثقافي، الذي أسسه عام 1982م، وظل يعقده في منزله في جدة إلى أن أقعده المرض قبل بضع سنوات. إثنينية عبدالمقصود خوجة تعد من أوائل المنتديات الثقافية في بلادنا، وظلت لسنين طويلة تدار بطريقة محترفة، وكانت من حين لآخر، تدخل على نشاطها إضافات تبث في محتواها جاذبية وروحاً جديدة. ولوجه الحق، يمكنا القول إن الإثنينية استطاعت أن تبز معظم المنتديات الثقافية المحلية، فهي تعد رائدة في أمور ثلاثة سبقت بها غيرها من المنتديات:
الأمر الأول: أنها تبنت جمع النتاج الأدبي والفكري لأدباء ومفكرين معروفين في بلادنا، وتولت طبعه وإصداره ضمن سلسلة ثقافية عرفت باسم (كتاب الإثنينية)، فأضافت إلى المكتبة العربية ثروة معرفية، يعرف الباحثون والدارسون قدرها تمام المعرفة.
والأمر الثاني: أنها سنت سنة الاحتفاء بالرموز المحلية ممن تركت إنجازاتهم أثراً بارزاً في المجتمع، سواء من أبناء الوطن أو من أبناء الأمة العربية، ممن أثروا بفكرهم وجميل عطائهم عالمنا العربي.
أما الأمر الثالث: فيتمثل في جرأة الإثنينية، في الإقدام على ما كان يعد محظوراً اجتماعياً آنذاك، حيث فتحت أبوابها لاستقبال النساء من المثقفات الراغبات في حضور المنتدى. فالإثنينية بذلك، يسجل لها التاريخ أنها أول منتدى ثقافي خاص يفتح أبوابه للنساء، معلناً أن الثقافة والفكر أمر مشاع بين النساء والرجال ولا فرق. وهو ما يحسب لصاحب المنتدى ويجعلنا نكبر فيه روحه المتطلعة إلى الأفضل دائماً، وشجاعته المعنوية، وتعبيره العملي عن التقدير للمرأة والإيمان بأهمية دورها في نهضة المجتمع ودعم التنمية فيه.
وبهذه المناسبة فإني أقترح على وزارة الثقافة، أن تعمل على الحفاظ على ذكرى هذا المنتدى الثقافي المهم في تاريخ نهضتنا الثقافية، فتقيم مركزاً ثقافياً يطلق عليه اسم صاحب الإثنينية، (مركز عبدالمقصود خوجة الثقافي)، ويمكن لهذا المركز أن يكون له مجلس إدارة وإدارة تنفيذية لوضع خطط العمل والإشراف على إدارة النشاطات الثقافية والفكرية فيه، كتقديم الندوات والمحاضرات وعقد ورش العمل والأمسيات الشعرية، وإقامة المعارض الفنية والاحتفال بالمناسبات الوطنية وغير ذلك من الجوانب الثقافية المختلفة. مما يعمل على حفظ ذكرى مؤسسها وجهوده البانية.
جزى الله الشيخ عبدالمقصود خوجة خير الجزاء، عما قدمه من عمل صالح لمجتمعه وأمته، ومد في عمره وألبسه ثوب الصحة والعافية.
... ... ...
- د.عزيزة المانع
* * *
متنفس الباحثين
منذ فترة مبكرة، ونحن ندرس في مرحلتي الماجستير والدكتوراه في جامعة أم القرى في بداية عام 1400هـ كانت إثنينية عبدالمقصود خوجة في جدة متنفساً لنا نحن طلاب الدراسات العليا في الأدب والنقد والبلاغة، فما نقرأ في الصحافة الورقية حينذاك أن الإثنينية ستستضيف أحد الرموز المتخصصة في هذه الجوانب إلا ونحرص على حضورها، وكانت الإثنينية التي تقام في منزل الأديب الشيخ عبدالمقصود خوجة نفسه في مدينة جدة مفتوحة للجميع وسط ترحاب وبشاشة من الشيخ، وكانت هذه الإثنينية رائدة في موضوعاتها سبّاقة قبل غيرها، وما جاء بعدها من منتديات وصالونات ومجالس خاصة في أنحاء المملكة كانت تتخذ منها نموذجاً ومنهجاً.
لم تقتصر إثنينية عبدالمقصود خوجة على المحاضرات والندوات التي تقام في رحابها ويتم توثيقها بالصوت والصورة، ولكنها توجهت لإصدار الكتب القيمة وبخاصة ما يتعلق منها بالأدب السعودي فأصدرت تحت عنوان «كتاب الإثنينية» العديد من الأعمال الكاملة لأدباء ومؤرخين وشعراء سعوديين أذكر منهم على سبيل المثال وليس الحصر «الأعمال الكاملة لكل من محمد حسين زيدان، وعبد الحميد عنبر، وعزيز ضياء، وعبدالوهاب آشي، ومحمد إسماعيل جوهرجي، وإبراهيم فودة، وحمزة شحاتة، ومصطفى عبدالواحد زقزوق، ومحمد صالح باخطمة، وأحمد العربي، ومحمد عمر عرب، وعبدالحق بن عبدالسلام النقشبندي، وحسين عبدالله سراج، وغيرهم كثير في مجالات المعرفة المتنوعة لا تحظرني أسماؤهم الآن.
وخلاصة القول: إن هذه الإثنينية وصاحبها الشيخ الأديب عبدالمقصود خوجة كانت رائدة في مشهدنا الأدبي والثقافي على مدى عقود وستبقى نموذجاً مشرفاً ينهل منه الباحثون ورواد المعرفة من خلال ما وثق من نشاطها سواء على مستوى التوثيق المسموع والمرئي أو المكتوب المقروء في الكتب التوثيقية وغيرها مما يندرج تحت نشاطها.
شكراً للمجلة الثقافية (بجريدة الجزيرة) التي التفتت لهذا الموضوع المهم.
... ... ...
- د. ظافر بن عبدالله الشهري
* * *
حتى لا ننسى أن نفي
الأستاذ الكبير عبدالمقصود محمد سعيد خوجة، علم ترك أثراً خالداً في تاريخنا الأدبي، ووضع نفسه في مكانة لا تليق إلا بالرجال الذين تركوا بصمتهم المميزة ليس في تاريخنا الحجازي بل وفي التاريخ العربي عموماً، ذلك بأنه احتفى من خلال صالونه الأدبي الراقي (الإثنينية) وكرم فيه الأعلام الأجلاء على اختلاف هوياتهم وجنسياتهم، كما أسهمت الإثنينية في إثراء المكتبة العربية والإسلامية بالكتب والمؤلفات التي تحتل جزءاً كبيراً في المكتبة السعودية والعربية بمجلدات تحتوي الأعمال الكاملة لأدبائنا وشعرائنا والكنوز الذاخرة من مؤلفات الأدباء والمفكرين العرب والمسلمين.لذا يحق لنا أن نفخر في تاريخنا الأدبي والثقافي بما حققته الإثنينية بجهد وكرم نادر من صاحبها ومؤسسها من إنجازات وأمسيات حافلة بالعطاء والوفاء.
ستظل (إثنينية عبدالمقصود خوجة) في تاريخنا الأدبي صالوناً أدبياً ترسخ في أذهان الأدباء والمثقفين في بلادنا والعالم العربي، على مدى أكثر من ثلاثين عاماً، واحتفت أول ما احتفت بتكريم أدبائنا الرواد الأعلام، وسعى صاحبها الأستاذ عبدالمقصود خوجة متعه الله بالصحة والعافية وسعى جاهداً لتكريس رسالة «إثنينيته»، وفق نهج تكريم يليق بالأدباء والعلماء والمفكرين المتميزين والبارزين، في وقت يندر فيه تكريم من جاهدوا بأقلامهم، واجتهدوا في بحوثهم وإبداعهم، ومبادراته في تكريم أدبائنا والوفاء لهم، وبلا شك أن غياب صاحب الإثنينية عن أمسياتها أفقدها الكثير من بريقها، وهو الذي حرص على أن تكون مؤسسة يديرها فريق، يتناوب على رعايتها ممن وقفوا معه وأسهموا في مسيرتها، وهم الذين ما زالوا مستمرين في عطائهم لها والذين يشكلون حضورها، الذي أخذ يتناقص، ومما لاشك فيه أن الإثنينية وإن بقيت في مسيرتها، وليتها لسبب الظروف تعود لسيرتها الأولى بلقاء شهري، أو نصف شهري، حتى يكون لها نفس الحضور الذي اكتسبته في بداياتها. إن تاريخ إثنينية الأستاذ عبدالمقصود خوجة لها تاريخها العريق وانجازاتها التي لا بد أن يخلدها التاريخ. وقد أصبحت ندوة أدبية مختلفة العطاء والإنتاج وقد جلس على مقعد تكريم الإثنينية الأدباء والعلماء والمفكرون الأعلام في بلادنا والعالمين العربي والإسلامي، وقد حلم كل أديب أو عالم بارز في أرض المعمورة، أن يكون له ذلك المقعد في يوم تكرمه الإثنينية.
... ... ...
- محمد علي قدس
* * *
ليست وجاهة..
قد ينظر كثير من الناس إلى مبادرات رجال الأعمال والشخصيات العامة في مجالات الثقافة المختلفة على أنها نوع من (الوجاهة الاجتماعية) ولكنني أعتقد أنه حتى من رأى منهم في بضاعة الثقافة الكاسدة هذه الأيام نوعاً من تلك الوجاهة فحقيق بنا أن نشكره على ذلك!
أقول ذلك لا لصلته بشهادتي القصيرة هذه حول معالي الشيخ والأديب عبدالمقصود خوجة ولكن لأن مثل هذا القول كثر ترديده في مقامات أخرى وسياقات شبيهة.
الواقع أنني قد شرفت بأن حللت ضيفة على إثنينية الشيخ عبدالمقصود العامرة ذات مساء جداوي جميل من أمسيات عروس البحر بعد أن سبقتني قائمة عظيمة من كبار المبدعين في مجالات العلوم والأدب والفكر كنت أنا أقلهم مقاماً ويكفي أن الوحيد من السودان الذي سبقني إلى تلك الإثنينية -فيما أعلم- هو عبقري الرواية العربية الطيب صالح.
وقوف الشيخ عبدالمقصود على استقبال ضيوفه بنفسه وإلمامه بأدق التفاصيل حول الأمسية وتقديمه لها أمر مبدع وجميل وقد كان أول ما لفت نظري ضيوف الإثنينية من كبار أساتذة الجامعات ومن أهل الإعلام ومحبي الأدب والشعر ومن كافة الجنسيات التي تقيم بالمملكة يمنح الإثنينية نكهة من التنوع والتميز والثراء وقد لمست ذلك بنفسي من خلال المداخلات الغنية والأسئلة والمحاور التي طرحت خلال الأمسية.
العناية بالتوثيق والأرشفة -وأنا من الفاشلات فيها بامتياز-لقنتني درساً شديد الأهمية والإثنينية تحرص على إرسال ألبوم صور و(سي دي) يحوي كل ساعات الأمسية التي شرفت بتقديمها.
الواقع أن مثل هذه الإشراقة الثقافية الباهرة والتي تضيف نجمة أخرى إلى ثريا جدة المتلألئة بالتألق والجمال توكد على حقيقة ظللت شديدة الإيمان بها وهي (مجتمعية الثقافة) فالفعل الثقافي فعل مجتمعي بامتياز وقد كان كذلك دائماً، وما من أمة قدمت منجزاً ثقافياً ذا بال أو صنعت حراكاً ثقافياً حقيقياً إلا وكان المجتمع ورموزه هم قادة تلك المبادرات وحُداتُها.
التحية والتقدير لصاحب الإثنينية الشيخ عبدالمقصود خوجة ولكل أصحاب المبادرات المماثلة وقد علمت أنهم كثر بطول المملكة وعرضها فلهم فائق الثناء وهم يمنحون من وقتهم وجهدهم ومالهم لضخ الحياة في شرايين وأوردة الثقافة والأدب ليس في المملكة وحدها ولكن هذه العافية تُعدي وتنتقل وتزهر في أماكن أبعد مما يتصورون.
... ... ...
- الشاعرة روضة الحاج
* * *
إنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوو الفضل
من أين لي بالكلمات التي تملك طاقة التعبير عن الوفاء بحق هذا الرجل الذي جعل من أدباء الأمة وعلمائها ومبدعيها مناراتٍ تتلألأ فتبدّد قسوة العُتمة وظُلمة التجاهل، استضافهم في صالونه العتيد الذي طالما حلّقت في فضائه جوامع الكلم وشوارد الحكم وفرائد الفِكَر، فأغدق على أصحابها من طيب نفسه ونقاء سريرته، أنزل صفوتهم منازلهم من التكريم والتوقير، وأضفى من تفرّده وتميّزه شرفاً قلّما يدانيه منزلة مقام مهما تسامق وعلا، كرّم شعوب أُمّته في أعلامها، وحقّق وحدتهم في نُخَبِها الثقافيّة، ففضلاً عمّا أنجزه حين شيّد صرحه الثقافيّ الشامخ (الاثنينيّة) في (جدة) عروس البحر أضحى مقصداً تهوي إليه مواكب السارين في غسق من دجى ليل مدلهمّ بالأنواء والعواصف التي كادت تنال من أقدار بعضهم وقدراتهم، وحلكة من سواد النكران والتجاهل حتى استبان لهم الطريق في بَلَج من فجرً ووضح من نهار فآووا إلى ركن شديد كفل لهم ذروةً من مجد مؤثّل كادت تضيع معالمه وتمّحي آثاره، يلتقط الورود من بين ركام الشوك ويزرعه في أُصصٍ من بلور، يعصمه من الذبول ويكفل له عَبقَه ونشْرَه فيتفتّح في حديقته الغنّاء تشدو فيها بلابل الدّوح، وتهدل على أغصانها الوُرْق آناء الليل وأطراف النهار في وارفٍ من ظلال كرمه وعَبَقٍ من ضوْع روحه وشفيف نفسه.
تخجل الكلمات من أن تبوح له بفيضٍ من وفاء لأيادٍ بيضاء أسداها سخيّة رخيّة، غزيرة وفيرة، ديمة سكوب تُمترئ أخلافَها في فلق الصبح، وتنثر بياضها نفس سمحة ما انفكّت يوماً عن العطاء، ولا قصّرت عن شأو، تعف عن مُبتذل المديح وترتقي بقدرها عن ابتذال النفاق وسَقط القوْل ومجانيّة التزلّف، ما رأيت في من رأيت أحد ينفر من الإطراء، ويضيق به مثله تعالياً عن السفاسف وارتقاءً بالروح من الابتذال والإهدار.
كم أنا مدين لهذه القامة والقيمة حين دعاني وقد نأى بيّ المنتجع وبعدت بي الشُّقة جسداً لا روحاً لكي أكون واحداً ممن التفت إليهم ببصره وبصيرته فتوسّم فيهم - بدافع نبيل مُدّخر في مكنون نفسه ما يمكن أن يستحق الالتفات فيما اًستكنّ في عمق وجدانه، فظنّ بي ظنّا حسناً وأسدى إليّ يداً لا أظن أنّ بمقدوري أن أفيَ بحقّها، لم يحتكر لنفسه - وهو المضيف - فضل الاحتفاء والوفاء فانتدب من خيار الرجال ومن أقرب الأصدقاء إلى نفسه وأجدرهم بهذه المكرمة من يشملني برعايته فكان لأستاذ الدكتور عبد المحسن القحطاني الذي اضطلع بهذه المهمة رغبة من صاحب الدار في أن يُبرز فضل الفضلاء وإحسان المحسنين.
جزى الله الرجلين عني خير الجزاء وأثاب الله صاحب المأثرة الشيخ عبدالمقصود خوجة على كريم أفعاله ومذخور مناقبه.
... ... ...
- د. محمد صالح الشنطي
* * *
في خدمة الثقافة من خلال (الإثنينية)
وعبدالمقصود خوجة، اسم لا تخطئه البصيرة، ولا يحل عليه النسيان. رمز ثقافي خالد في نفوس محبيه، وعارفي فضله وعطائه الإنساني والثقافي.
نَمَت الثقافة بين يديه، منذ أن أعد للمثقفين نزلاً سماه (الإثنينية) فعرفت به وعرف بها. حتى توارت منذ سبع سنوات، أقول (توارت) ولا أقول (أفلت)!
نعم (توارت) عنا كمثقفين فلم نعد نراها تشرع أبوابها كل إثنين، ولم نعد نستلم مطبوعاتها كل شهر وعام. وما ذلك (أفول) لا سمح الله، فما زال عبقها يجوب فضاءات الثقافة - محلياً وعالمياً ولكنها استراحة محارب لعلها تعود جذعة، متجددة على يد المخلصين المثقفين من أبنائها ومريديها.
عبدالمقصود خوجة، رمز الأدب والثقافة - ليس في جدة وحسب - بل في بلادنا السعودية ومحيطنا الخليجي والعربي، بل والعالمين الإسلامي والعالمي، وصفه أحد العارفين لدوره الثقافي قائلاً:
«مضياف المعرفة، وقبلة التقدير، وجيه المثقفين وحبيب المبدعين، موئل حفاوة طالما فاضت بتراث معرفي ونقاشات عميقة، عرفه المثقفون فاعلاً في الشأن الثقافي وأديباً حصيفاً يتجذر وفاؤه في نفوس الكثير من الأدباء والمبدعين». (خالد الجار الله، عكاظ 19 يونيو 2020م)
وها نحن نستذكر الجهود الثقافية للرمز / الرائد الشيخ عبدالمقصود خوجة، فتبرز لنا قمة وقيمة ثقافية، بل هي أعلى قمة ثقافية في فضاء إبداعاتنا المعرفية، هذا الصالون الذي عرف واشتهر بـ(الإثنينية) التي توقف منذ سبع سنوات (تقريباً) بسبب الظرف الصحي لصاحبها الوجيه حفظه الله وشفاه وأعاده إلى منتداه في كامل اللياقة الصحية والمعنوية لتعود مسارات الإثنينية إلى وهجها، ويعود المنتدون والمحتفون ويتحلقون حول عطاءاتها الفكرية والمعرفية مساء كل اثنين.
الإثنينية هذا الصالون الثقافي الجدي / الجداوي، السعودي، العروبوي والإسلامي والعالمي أصبح سمة ملازمة لعبدالمقصود خوجة فهما يشكلان ثنائياً لا يذكر واحد إلا بملازمة الثاني! وأصبح وسماً ثقافياً لجدة والتاريخ والثقافة والحضارة فلا يكاد زائر يمر عليها إلا ويسأل عن (الإثنينية) وعن منجزاتها وعن صاحبها الرمز / العلم حفظه الله وشفاه.
(الإثنينية) هذا المنجز الثقافي الذي شاده صاحبه فنشر من خلاله الفكر والأدب والعلم والمعرفة عبر استضافة الرموز - في كل المجالات- لتكريمهم والتعريف بهم ورصد منجزاتهم.
(الإثنينية) هذا الكيان الشامخ الذي جعل من الثقافة السعودية معلماً ترنو إليه الثقافات المجاورة حيث شكل منظومة ثقافية وطنية سعودية نفخر بها كياناً وعطاءً، فبين أيدينا أكثر من 187 مجلداً يوثق ويرصد المسيرة الثقافية للإثنينية، وتم نشرها ورقية والكترونية وأتاحها لجمهور المثقفين والباحثين!
إن المتصفحين لهذه المطبوعات والمشاهدين لتلك الفعاليات المتنوعة سيجدون علماً غزيراً وفكراً جديراً بالمثقافة والإفادة تشكل كنوزاً عظيمة من المعارف والثقافات المتجددة.
اليوم وصاحب هذا الإرث الثقافي العظيم حبيس عارضه الصحي ونزيل المشافي وملازم الأطباء والأدوية نسأل أنفسنا ماذا قدمنا كمثقفين ومؤسسات ثقافية لهذا الرمز العظيم والعلم الشامخ والركن الركين ثقافة وإنجازاً؟! وليس لنا - بعد ذلك - إلا الدعاء الصادق بحسن الختام والشفاء التام والعودة لاستئناف (الاثنينية) أو أن يقوم رفاق الدرب المخلصين لاستعادة الإثنينية كمؤسسة اجتماعية / ثقافية ويقوم عليها أبناؤه أو المخلصون من أهل الثقافة في جدة الحبيبة.
(فالاثنينية شموخ لا يعرف التلاشي)!
وختاماً فإن هذه الشعلة التكريمية التي توقدها جزيرتنا الثقافية حرية بالشكر والتقدير، ومدخلاً لتكريمات وطنية وثقافية قادمة لهذا الرمز الثقافي الكبير في الجنادرية أو جائزة الملك فيصل العالمية أو سواها من محافلنا الوطنية. والحمد لله رب العالمين.
... ... ...
- د. يوسف العارف
* * *
تكريم الرواد
لفتة جميلة من المجلة الثقافية بجريدة الجزيرة أن تعيد لنا ذكرى الأستاذ عبدالمقصود محمد سعيد خوجة بعد تواريه عن الأنظار وتوقف إثنينيته بعد 35 سنة أمضتها مكرمة مئات الشخصيات بمختلف التخصصات من شهر المحرم من عام 1403هـ إلى نهاية عام 1436هـ. تعرض بعدها لعارض صحي غيبه عن الساحة حتى الآن.
بدأت الإثنينية بتاريخ 22 / 1 / 1403هـ بتكريم صديق والده - أبو عبدالمقصود محمد سعيد خوجة - الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري الذي انتقل من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة ليرأس جريدة (أم القرى) 1359- 1360هـ، بعد رئاسة أبو عبدالمقصود لها على مدى خمس سنوات (1350-1355هـ). وليأتي بعده في التكريم الأحياء من أصدقاء والده الأساتذة: الشاعر طاهر زمخشري، وعبدالمجيد شبكشي، وعبدالله بلخير، ومحمد حسين زيدان، وحسين عرب، وعزيز ضياء، وحسين باشا سراج، والسيد أحمد عبيد، ومحمود عارف، وأحمد العربي، وعبدالعزيز الرفاعي، وطارق عبدالحكيم، في السنة الأولى. وهكذا استمرت الإثنينية على مدى 35 عاماً.
وكان آخر من كرمته بحضور صاحبها تكريمه للباحث وعالم الآثار البروفيسور سليمان الذييب بتاريخ 25 / 5 / 1436هـ - 17 / 3 / 2015م. ثم تولى بعده إدارة بقية أمسيات ذلك العام ابنه المهندس محمد سعيد خوجة. وآخر من كرم قبل توقفها الدكتور عبدالله الفيفي بتاريخ 1 / 7 / 1436هـ 21 / 4 / 2015م.
وقد تشرفت بحضور الإثنينية وشاركت بتكريم من كرم بها مرتين الأولى في شهر المحرم 1421هـ عند تكريم المرحوم عبدالكريم الجهيمان والثانية بعدها بسنتين عند تكريم المرحوم فهد العريفي. كما كرمت بدعوتي في 9 / 2 / 1436هـ 1 / 12 / 2014م. وقد أصدرت الإثنينية واحداً وثلاثين مجلداً ضمت تراجم وشهادات من تم تكريمهم.
وقالت العرب (من شابه أباه فما ظلم) فوالده (الغربال) رحمه الله تولى مطابع وإدارة مطابع وجريدة (أم القرى) من عام 1345هـ وتولى رئاسة تحريرها (1350 - 1355هـ) وكان يكتب على مدى عشر سنوات بجرأة غريبة وسابقة لعصرنا، فرغم وفاته المبكرة وعمره لا يتجاوز 35 عاماً؛ فقد كان يكتب باسمه المستعار (الغربال) وكأنه يحمل غرباله لينخل أوصاب المجتمع وأدرانه وليبقي النظيف والصحيح. لم يترك شاردة ولا واردة إلا ناقشها، حتى الأزياء واللباس الوطني، ومحاربة العادات مثل غلاء الأسعار والمبالغة في تكاليف الزواج، كما كتب عن مشكلة المياه، بل هو أول من طالب بتطبيق نظام الكشف الطبي قبل الزواج حتى لا تنتشر الأمراض الوراثية وغيرها.
ولهذا جاء ابنه عبدالمقصود ليواصل مسيرة والده من خلال تكريمه لمن واصل مسيرة والده.
خمس سنوات والإثنينية متوقفة على أمل أن يعود فارسها ليواصل المسيرة. وأملنا في من خلفه المهندس محمد سعيد ليواصل ما بدأه والده، فلعل توافد روادها وقرع نعالهم في ممرات المنتدى يحيي ويعيد لنا ما فقدناه ويزول العارض الصحي إن شاء الله.
أذكر أن أعضاء منتدى النقد بنادي جدة الأدبي قبل 10 سنوات برئاسة الدكتور عبدالمحسن القحطاني قد دعاهم الأستاذ عبدالمقصود في غير موعدها واحتفى بهم، وقال ضمن ما قال: إنه سيحول الإثنينية إلى مؤسسة وسيُحمِل أعضائها مسؤولية استمرارها بعد وفاته، وذكر منهم الدكاترة: عبدالمحسن القحطاني، وعبدالله مناع، وسهيل قاضي، ومحمود سفر وغيرهم. وكان اثنان منهم حاضرين معنا وهما القحطاني والقاضي. فلعل المهندس محمد سعيد عبدالمقصود يعيد النظر ويتشاور مع ذويه بإحياء فكرة والده وتحقيقها في حياته.
والكل يشهد بأن (الإثنينية) قد نهجت نهجاً جديداً ومتفرداً في تكريمها للرواد ونشر تراجمهم وما قيل عنهم وما قالوه عند استجوابهم في نهاية اللقاء وعلى مدى 35 عاماً، إضافة لإنتاج أدباء المملكة من شعر ونثر وتوزيعها على أوسع مدى.
لعلي لا أنسى أن أعود لوالده وعما قاله طاهر زمخشري رحمهم الله في الحفل الثاني للإثنينية، قال: كنا مجموعة من الشباب المثقف اختارنا الأستاذ محمد سعيد عبدالمقصود خوجة حوله، وكان يرعانا الرعاية الكاملة، ومن رعايته لي بصفة خاصة أنه أصدر تعليماته بتعييني كاتباً في المطبعة براتب فراش، وكان الكاتب الذي يتقاضى راتب فراش يتولى القيام بعمل الوارد والصادر، ومهمة مأمور المستودع، ومصحح الجريدة، وذلك مقابل مرتب مقداره 4 جنيهات.. وفي تلك الفترة عرفت سبيلي إلى الحياة، وعرفت طريقي إلى العمل، وتعلمت من محمد سعيد عبدالمقصود العمل الجاد.
وذكر ضمن الشباب الذين يرعاهم أبو عبدالمقصود: عبدالله بلخير، أحمد ملائكة، وعبدالله عريف، وحسين خزندار، ومصطفى كمال باتبارة، وعبدالكريم مخلص، وحسن الياس.
أرجو من كل من افتقد الإثنينية أن يرفع صوته معي لعودتها مهما كانت الأسباب متمنياً الصحة والعافية والعودة السريعة لصاحبها.
... ... ...
- محمد عبد الرزاق القشعمي
* * *
ألحّ على تكريمي
تعد الإثنينية من أوائل البيوت الثقافية التي تجمع الكتاب والمثقفين وذوي الرأي في المملكة، وقد استمر عبدالمقصود خوجة في رعايتها والاحتفاء بها، حيث يلقي كلمة عند تكريم الضيف، ويدور حوار في نهاية الأمسية التي يمكن أن نسميها جلسة سمر فكري ويقدم للضيف لوحة تذكارية في نهاية الحفل، أدعو الله أن يجزيه خيراً ويطيل في عمره، وقد كرمت في هذا المنتدى وكان يحاول معي لتكريمي حتى وافقت وحضرت التكريم، حيث أنا مقلة في الحضور في المناسبات، ومما يميز الإثنينية أن كثيراً من مناسباتها كانت لها طلتها الخاصة.
ومما يميزها أيضاً أن عبدالمقصود خوجة كان يحافظ على الأنظمة في البلد ويحترمها وكان حريصاً عليها، أتمنى من الله أن يعود للساحة الفكرية سالماً وغانماً، وأنا كمواطنة أقول الف لابأس عليك أستاذنا مقدر الحرف، ودون شك فعبدالمقصود خوجة من بيت علم تاريخهم يتحدث عنهم وبيت فكر خدموا البلد في أجهزة الدولة وقد حاول عبدالمقصود خوجة أن يضيف للفكر والمشتغلين بالثقافة بصمة جميلة، ومنتداه مميز، الرجل سبق إلى هذا كله وقد وفقه الله بالاستمرارية على المدى الطويل، هذا الرجل يستحق منا التقدير.
... ... ...
- الشاعرة ثريا قابل
* * *
قيمة وقامة مضيئة
الشيخ عبدالمقصود خوجة من الذين خدموا الثقافة والأدب وقدموا إنجازات كثيرة عبر صالونه الأدبي والثقافي (منتدى الإثنينية) الذي قدم من خلاله خدمة كبيرة في السعودية والعربية بشكل عام، وقام بتكريم رموز كثيرة ومؤثرة في الثقافة المحلية والعربية وكان جديراً بالتكريم هو نفسه على المستوى الرسمي، ولقد قُدر لي أن أحضر كثيراً من هذه الإثنينيات في ليالي جدة التي لا تنسى، وقد شاركت شخصياً في إلقاء كلمات عن شخصيات أدبية سعدت بالتحدث عنهم من منبر الإثنينية، حيث شاركت نحو عشر مرات بتكليف منه شخصياً، رجل عظيم وكريم، وهو من الحالات الاستثنائية الذي وفر ماله لخدمة الثقافة، أديب وابن أديب، فوالده كان من رموز الثقافة والأدب في الحجاز في وقت مبكر، والشيخ عبدالمقصود خوجة يتسم بأخلاق كبيرة ونبيلة إلى جانب التواضع الجم، وهو من الحالات الاستثنائية الكثيرة في بلادنا فهناك من يملكون المال ولكنهم لم يخدموا الثقافة.
تعرفت على شخصيات كثيرة من خلال الإثنينية، وكونت صداقات من خلالها، وأعتقد أن أماسي جدة وليالي جدة قد خسرت هذا المنتدى الكبير.
الشيخ عبدالمقصود كان عاشقاً للثقافة، وأنا أعتقد أنه إذا كُتب تاريخ الأدب والثقافة في بلادنا فسيحتل منتدى عبدالمقصود خوجة (الإثنينية) بإنصاف وإخلاص وحيادية مساحة كبيرة.
التقينا بأنيس منصور وأحمد عبد المعطي حجازي وغيرهما من الرموز من داخل وخارج المملكة إلى جانب أنه طبع الأعمال الكاملة لعدد من الأدباء من أمثال: حمزة شحاتة وحسين سرحان ومحمد سعيد العامودي وأحمد السباعي وغيرهم.
عبدالمقصود خوجة شكل قيمة وقامة وكان كريمًا على المستوى الشخصي، وله مواقف إنسانية مع كثير من الأدباء والمثقفين، ويضاف إلى ذلك كله أنه أعطى للمرأة دوراً وفعالية في الإثنينية.
جدة فقدت ملمحاً حضارياً يتمثل في الإثنينية، وشكراً (للجزيرة) من خلال هذه اللفتة الكريمة وهذا دورها دائماً.
... ... ...
- أحمد عايل فقيهي
* * *
كنت عريفًا لها
ارتدت الإثنينية كمستمع بخجل شديد حيث كان معظم من يحضرها كبار الأدباء والمثقفين بالإضافة الى شخصيات اجتماعية، وكانت تدار بطريقة تلقائية أقرب ما تكون إلى لقاء محبة بين أصدقاء خاصة وأن أغلبية الجيل الذي يحضر الإثنينية في بدايتها هم من أصدقاء الشيخ محمد سعيد خوجة والد الشيخ عبدالمقصود.
كانت تقام في صالون بيته القديم والعدد محدود ثم كثر عدد المرتادين فانتقلت الى فناء داره القديم، فلما انتقل الشيخ عبدالمقصود إلى داره الجديدة خصص لها صالوناً أكبر وأجمل للقاء الضيوف ثم الانتقال الى فناء عظيم في المساحة والتنظيم جميل في الشكل ليتم عقد الإثنينية لأكثر من ثلاث ساعات كل يوم اثنين.
كان التوثيق يتم عن طريق التصوير الفوتوغرافي والتسجيل الصوتي والإصدار الورقي في شكل كتاب، ثم أصبح التوثيق بالصوت والصورة (فيديو) ثم انتقل بعد ذلك إلى بث مباشر عبر موقع الإثنينية الذي أنشئ على شبكة الإنترنت فأصبح مرجعاً متاحاً للداخل والخارج مع استمرار عمليات التوثيق السابقة.
بعد فترة زمنية قصيرة من حضوري كمستمع اختارني الأستاذ حسين العسكري ــ مدير عام إذاعة جدة الأسبق ــ لتقديم الإثنينية أو كما كان يتداول فيها أصبحت عريفاً لها، واستمر ذلك لسنوات حتى حالت الظروف بيني وبين الاستمرار في تقديمها.
أما صاحبها الشيخ عبدالمقصود خوجة ــ شافاه الله وعافاه ــ فهو شخصية اجتماعية وثقافية يلفت انتباهك بأناقته وحسن استقباله للضيوف وبتلك العلاقات الحميمة المتسعة مع الشخصيات في الداخل والخارج حتى تكاد تجزم أن الشيخ عبدالمقصود خوجة شخصية عربية وليس فقط محلية.
الدور الذي قامت به الإثنينية حتى اللحظة رغم توقفها يعد دوراً رائداً في تقديم أو إنتاج مصدر ثقافي كبير للحركة الأدبية والثقافية يمتد أثره إلى أجيال قادمة بحكم التوثيق ليكون مرجعاً علمياً للباحثين في هذا الشأن.
على المستوى الشخصي أتاحت لي الإثنينية مشاهدة شخصيات كبيرة جداً في مجالات ثقافية وأدبية ودينية وتقديمهم والاستماع إليهم، بل استضافة بعضهم لبرامجي الإذاعية، وحتى اليوم تظل الإثنينية مرجعاً لي عندما أكتب عن موضوع أو شخصية حيث أتذكر أن ما أريد التطرق إليه أجد له أصلاً في إحدى أمسيات الإثنينية فاستشهد به أو أصحح به معلومة لم تكن واضحة لي.
حقيقة لم نفتقد الإثنينية الآن بسبب توقفها منتدى أو أمسية ثقافية، بل افتقدنا أحد أهم مصادر الثقافة والتاريخ الموثق كتابة وصوتاً وصورة.
... ... ..
- عدنان صعيدي
* * *
علامة مضيئة
الوجيه الشيخ/ عبدالمقصود خوجة شخصية - صاحب منتدى (الإثنينية) الثقافية قد لا يستطيع المتابعون لمسيرته الممتدة - لأكثر من ثلاثة عقود أن يفوه حقه من الإشادة والوفاء والعرفان بدوره.
الرائد وجهده الكبير - الذي يشكل علامة بارزة في الانتماء إلى الحركة العلمية والثقافية لا في وطننا (المملكة العربية السعودية) فقط، بل في عالمنا العربي الإسلامي اللذين امتدت إلى علمائهما ومفكريهما وأدبائهما مظلة رعايته وتكريمه واهتماماته برصد تسارع عجلة إنتاج من يستحقون أن يكرموا في إثنينته المعروفة التي أصبحت تشكل علامة بارزة يفخر بها وطنه ومحبوه والتي لا تقل شأناً عن مثيلاتها من الفعاليات التي تقام في أقطار أخرى كمواسم تستقطب إليها الحضور والزخم الثقافي بمختلف شرائحه ذوات الفكر المتزن والأطروحات الملتزمة النابعة من ثراء أفكار أصحابها وإسهاماتهم في مجالات العطاء الإنساني والحضاري الأممي.
الوجيه الشيخ عبدالمقصود خوجة لم يبخل بتسخير ما أنعم الله به عليه من سعة في الرزق ونور في البصر والبصيرة والإدراك لأهمية الفكر في مسيرة الحياة وتجديد خلايا حيويتها، لم يبخل بأن يكون علامة مضيئة استطاعت أن تمنح هذا الوطن إضافة مشرقة إلى جانب عطاءاته المثمرة وتميزه المستمر.
الشيخ عبدالمقصود شملت عباءة اهتمامه الكثير من أبناء هذا الوطن وغيرهم - كما قدمت - ممن استحق عطاؤهم الفكري بأن يمنحوا تكريمه في احتفاء يليق بكل منهم .. ليس هذا فحسب، بل هو تبنى الكثير من إصدارت الإثنينية لتصبح إضافات علمية وثقافية أسهمت في إثراء المكتبة العربية.
إذن ليس من الغريب أن يكون للمجلة الثقافية هذه الالتفاتة الرائعة تجاه علم ثقافي من أعلام هذا الوطن.
ولعلها تكون بذلك قد أدارت الأعناق إلى رجل له بصمته المتميزة في عالم الفكر والأدب.
ورغم هذا وذاك ما أحوجنا إلى أكثر من عبدالمقصود خوجة في بذله وعطائه ووفائه لوطنه وأمته.
... ... ...
- الشاعر: إبراهيم مفتاح
* * *
لمحة مختصرة
النشاط الثقافي
صاحب منتدى «الاثنينية» الأدبي الذي يقام مساء كل اثنين بدارته بجدة، ويحضره جمع من رجال الفكر والصحافة والأدب من داخل المملكة وخارجها.. وقد أنجزت «الاثنينية» توثيق فعاليات تكريم أربعمائة وأربعين عالماً ومفكراً وأديباً من داخل المملكة وخارجها عبر مسيرتها التي شارفت الثلاثين عاماً.. ولها موقع على شبكة الإنترنت WWW.ALITHNAINYA.COM يضم كل الإصدارات التي نشرتها تحت مظلة «كتاب الاثنينية» إضافة إلى فعالياتها بمسمى سلسلة «أمسيات الاثنينية».. وقد تم حتى الآن رصد 67 عنواناً في 178 مجلداً (مائة وسبعة وثمانين مجلداً) في 81.268 صفحة (واحد وثمانين ألفاً ومائتين وثمان وستين صفحة)، وبعدد 3324 صورة (ثلاثة آلاف وثلاثمائة وأربع وعشرين صورة فوتوغرافية).. وما زال العمل مستمراً.
منتدى الاثنينية
بدأ منتدى الاثنينية في العام 1403هـ - 1982م، وذلك للاحتفاء برموز الأدب والفكر والثقافة، وكان امتدادا لحفلات التكريم التي كان يقيمها والد الشيخ عبد المقصود (رحمه الله) في مواسم الحج احتفاء بكبار الأدباء والشعراء والعلماء الذين يأتون ضمن وفود بلادهم لأداء مناسك الحج.. واستمرت الاثنينية لأكثر من ثلاثة عقود حتى شكلت واحدًا من أبرز الصوالين الأدبية ليس في المملكة فحسب بل والعالمين العربي والإسلامي، وكرمت رجال الفكر والأدبي والعلم بشتى فنونه من مختلف أنحاء العالم العربي.
ولقد كانت الاثنينية فرصة للتلاقي بكل المبدعين وتكوين صداقات وعلاقات امتدت إلى اليوم، ومن خلالها تم التعرف على عدد من الشخصيات الفاعلة مباشرة.
وحتى يكون القارئ على اطلاع دائم بجميع أماسي الاثنينية تم جمع هذه الفعاليات الجميلة في سلسلة الاثنينية وأتيحت للقارئ، ومن الجميل فيها أنها وثقت سير المبدعين منهم مباشرة اثناء الاحتفاء بهم، كما اهتم الشيخ عبد المقصود إضافة إلى المنتدى الشهير بجمع الأعمال الكاملة لعدد من الرواد.