هيجل كان محقاً حين قال إننا نتعلم من التاريخ وحين نقرأ في الفلسفة الدينية نجد أن الإنسان مجبول على عبادة شيء ما منذ نشأته لابد أن تجده يكرس حياته لما بعد الموت.
إن هناك آلالاف الديانات حول العالم تختلف في طقوسها ومفاهيمها وحتى مذاهبها عن بعضها البعض.
إن الجنس البشري يسعى إلى الدين والبحث عنه كاروح حتى يضيف للحياة والموت معنى ومغزى بل أن الدين يضيف للإنسان حياة مختلفة بأفكار ومعتقدات وشعائر واحتفالات تصنع تكويننا الاجتماعي وترفع احتمالية العيش بواقع أفضل.
إن السعي الديني يساعدنا على إيجاد السلام الداخلي والتصالح مع مبدأ الموت هناك الكثير من الديانات التي تعطي إشارات بأن هذه الحياة ليست الوحيدة وأن الموت ليس النهاية وحين نتأمل على سبيل المثال الحياة والموت في عهد الفراعنة أن المصريين القدماء كان لديهم العديد من الآلهه وكان رئيسها إله الشمس وكل إله مسؤول عن وجه من أوجه الحياة وكانوا يقدمون لهم الكثير من القرابين لمحاولة إرضائهم آملين أن تباركهم الآلهه وترضى عنهم ليكونوا مستعدين لحساب ما بعد الموت.
وحين ننتقل للجهة الأخرى في الخريطة نرى اليونان القديمة فكانت الطبيعة في اليونان هي مصدر القوة والحياة وكل ما يرونه في الطبيعة هو مقدس فالجبل هو عرش السماء ويتعبد لأجل هطول المطر والشجر له أرواحه المقدسة والبساتين لها حورياتها الخاصة.
كان لديهم هيفايستوس إله الحرفيين والحدادين وهستيا إله الصحة وافروديت إله الحب الجمال. إن كثرة وجود الآلهه لديهم جعلتهم حرفين بامتياز في صنع التماثيل والفسيفساء ورسم اللوحات الفنية، لقد ازدهرت الفنون والعمارة لديهم بسبب تعلق خيالاتهم بالآلهه.
من خلال سردي لتلك الديانات القديمة أردت أن أشير إلى محاولة تعلق الإنسان في مفهوم العبادة ومحاولاته الحثيثة للبحث عمن يحل مشاكله في حياته وما بعد موته.
إن إبراهيم عليه السلام حينما رأى في السماء القمر أذهله حجمه فقال هذا ربي ولكن حين اختفى أدرك بأن الإله لا يختفي وتكرر نفس الموقف مع الشمس وأدرك مرة أخرى بأن الإله لا ينطفئ. إن الفرق بين قصة إبراهيم مع الإله وفي الديانات الأخرى أن إبراهيم استخدم الجانب العقلي وأدرك أن الله هو أعظم مما تراه العين وأقدس مما يتخيله العقل.
على الإنسان أن يدرك أن البحث عن الدين والإله شيء يمثل جوهره ولا يتجزأ منه مهما كان، أما جانب التحليل النفسي لهذه الظاهرة فقد ذكره العالم ماسلو في هرم الاحتياجات الإنسانية التي تتكون من 5 احتياجات إنسانية هي أولًا الاحتياجات الفيسولوجية، ثانياً الحاجة إلى الأمان، ثالثاً الاحتياجات الاجتماعية، رابعاً الحاجة إلى التقدير، خامساً الحاجة لتحقيق الذات، في حال اكتملت لدى الإنسان تلك الاحتياجات حققت له التوازن النفسي والجسدي وفي حال الإخلال في أحدها ستتسبب في عدد من الاضطرابات.
أوضح «ماسلو» أن الأفراد تتوافر لديهم دوافع تجعلهم يقدمون على تحقيق احتياجات بعينها، وعندما يتم الوفاء بهذه الاحتياجات يبحث الفرد عن كيفية الوفاء بالاحتياجات الأخرى التى تليها وهكذا طيلة حياته.
إن ما يهمنا هنا هي الحاجة الثانية وهي الحاجة إلى الأمان، إن الإنسان يبحث عن الأمان طوال مسيرة حياته الأمان الأسري والوظيفي والمالي والنفسي وأيضاً الأمان الديني.. قد لايستطيع الإنسان تفسير تلك الظواهر الماورائية حوله ولا يستطيع أن يكف عن التفكير في نشأة الكون وسبب وجودة وصراع الخير والشر وأمور حياته التي تفوق قدرته وماذا يحدث بعد الموت والكثير من الظواهر التي لا يعلم لها سبب ولكي يشبع هذا الجانب الغامض يستشعر وجود آلهه حوله لرعايته وحمايته فيطمئن وهكذا تكتمل الحاجة النفسية الثانية لديه وهي الحاجة للأمان.
إن العطش للماء يدل على وجود الماء والإحساس بظلم يدل على وجود العدل، لقد ذكر المهاتما غاندي في أحد أقواله (ذلك الدين ليس غريباً عنك لقد كان دائماً وأبداً بداخلنا البعض يكون واعياً به والبعض الآخر لا يكون واعياً ولكنه دائماً هناك).
** **
- سديم العمري