1 - الفطرة:- الطفل خُلق مؤمناً وموحداً، محباً وشاكراً ممتناً، لقرب عهده بربه، ينشأ الطفل محباً للوجود ولخالق الوجود، ولكل ما يلتحق بهذا الوجود، يأنس ويبتسم بسلام حين يسمع كلام الله، ويهدأ ليتلفت باحثاً عن وجهة صوت خاشع يتسلل إليه بهدوء من قارئ خاشع للقرآن، وكذلك فهو محب حقاً، يحب والديه ومن يحمله برفق ويعتني به، ويعبر عن امتنانه بابتسامة رضا لأمه حين تدنيه من حضنها وتلقمه ثديها،،،
وحين ينطق الطفل فمن أسئلته الفطرية الأولى: من خلق هذا؟ أين الله؟ ولأن عقله لا يحتمل المعاني المجردة، فإن فطرته تنوب عنه في التصديق والإذعان حين يسمع إجابة للسؤال التالي: لماذا لا أراه؟ يصدق ذلك؛ ما جاء في البخاري (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ).
2 - عدم الوعي بالزمن:- الطفل لا يتعلق بزمن، وتقسيم وقت، وتميز ليل من نهار، وما يترتب على ذلك من توزيع مهام وترتيب أعمال، واستباق نتائج، واستبطاء الثمار، ومن ثم فإن وتيرة التوتر والقلق لدى الأطفال الناجمة عن مراقبة الزمن، وملاحظة سرعة فلوله، غير محسوبة بالمرة.
3 - الحضور:- الطفل إن أحب لعبته أو جليسه أو أي نشاط آخر يمارسه فهو ينخرط بكامل حواسه في مهمته، غارق في لحظته، إذ لم يقع في فخ الغياب عن الآن بعد؛ سواء بتجرع مرارة أحداث الماضي أو القلق والتوتر بشأن المستقبل.
4 - البهجة:- من أوائل اللغات التي يطلقها الطفل الضحك والابتسام، ولضحكات الطفل رنات موسيقية خلابة، يطلقها كردة فعل فطرية، تجاه أحداث مفاجئة وغير متوقعة، أو أخرى مفتعلة من قبل الكبار، ويعبر عنها بانفعال عفوي غير ممنهج كأن يهش بكلتي يديه ويركل بقدميه أو يدور في حلقة ويصدر نغمات مبهجة. فالبهجة والتعبير عنها تأتيان كردة فعل تلقائية، ومباشرة, قبل أن يتدخل الكبار في فرض الوصاية والتعليمات عليها.
5 - طاقة إيجابية مرتفعة:- الطفل يؤثر بإيجابية في المكان وفي الجلساء ويندر أن يتأثر بهم سلباً، ولذا تجد الطفل حين يدخل إلى مكان مشحون، فإن له حضورا وتأثيرا لافتا؛ إذ يحرك الجو السائد ويتسبب تواجده في رفعه نحو شعور بالانشراح والأنس والبهجة، ولذا يوصى المتعبين نفسياً والمرضى وكبار السن بمجالسة وملاعبة الأطفال كثيرا.
6 - الصدق:- الطفل لا يراوغ ولا يعرف المداهنة والكذب والاحتيال بقصد الاستعطاف أو نيل حاجة، إذ لم يتعرف بعد على عدد وافر من الأقنعة المعروضة بالمجان في مجتمعات الكبار، فهو صادق في مشاعره، وعفوي في تعبيره، فلو قدمنا لطفل شيئا ما مغرياً ويحبه كقطعة حلوى، مع مساومته على الاعتراف بحب الشخص الذي سيناوله، قد يتردد، وبعدها بلحظات قد يقل: أحبك، في حين أن ملامحه لا تصدق ذلك. الطفل إن مرض، يدرك ذلك والداه على الفور لقلة نشاطه وامتناعه عن الطعام، ولكنه حين تدب في جسده بوادر العافية، فهو ينهض على الفور ليتجاوب مع ما حوله.
7 - التعبير عن المشاعر بعفوية وبوضوح:- وهذا رديف سابقه من الصدق، والعفوية، الطفل يمارس الطقوس المجتمعية بوضوح، فلو لمح الطفل نظير له في عالم يزدحم بالكبار، كأحد صالات المطار أو المطاعم والمجمعات التجارية، فإنه يدع كل ما حوله، ليبادر بالتعبير عما بداخله من خلال الابتسامة والمبادرة بالتحية والتقبيل والمعانقة والبدء بالحوار مع الطرف الآخر ومتابعته بالنظر ومحاولة التودد والتقرب إليه،،، إذ لم يبرمج الطفل بعد على مراعاة الاعتبارات الاجتماعية التي تخضع أفرادها إلى إخفاء المشاعر والتعبير عنها من خلال حدود معينة وتكلف في حال انتقاء ألفاظ التعبير ونحوه.
8 - الاكتفاء بالضرورات من الحياة:- لا تتجاوز احتياجات الطفل ضرورات الحياة، كالطعام وفي محضن أبوي يعترف به ويوفر له الحماية والحب والحنو والنظافة والرعاية الصحية، وهو مكتف وراض بذلك، ولا يمكن إجبار الطفل على تناول لقمة زائدة عن حاجته، أو حشر قدميه الصغيرتين في حذاء جلدي فاخر، أو تزيين رأس الطفلة بربطة جذابة ولكن مؤلمة، فهو لا يعترف بالكماليات المادية التي استحدثتها الاعتبارات الطبقية الزائفة.
9 - الحرية:- الطفل لا يلتزم بما يمنعه من التعبير عن ذاته، فهو إذا شعر بمنغص كجوع أو مغص، بدأ بالبكاء وإذا شعر بنعاس، نام ولو كان ذلك على مقعد وثير في حفل مدفوع، وإذا رأى ما يضحكه ضحك، دون أن يحفل بالمراسيم، وإذا رغب في لعبة أو نزهة، عبر عن رغبته، وإذا أحب أحدهم صرح له بعفوية، وإذا شعر بنفور من غريب، لا يمكن إجباره حتى على الاقتراب منه للسلام، وإذا لم يرغب في طعام فيصعب على أهله إرغامه عليه، هذه الحرية التي يتمتع بها الطفل هي جزء من كينونته ومركب مغروس في فطرته، وهذا ما حرم منه الكبار.
10 - الحياء:- الطفل حيي، كما خلقه الله وإن لم يتلق تربية بشأن ضوابط ذلك، ففي سنوات عمره الأولى تستحي الطفلة من خلع ملابسها بقصد السباحة في الأماكن العامة، ويفضل الطفل اختيار الأصدقاء من جنسه، وقد تغطي الطفلة وجهها وتضحك خجلاً حين ترى لأول مرة مشهداً غرامياً، في حين قد تتحرك الغيرة في قلب طفل حين تحدث مداعبة أمامه.
11 - الاتصال بالطبيعة:- الطفل ولد محباً للكون من حوله، بكل مفرداته، يتعاطى مع الأشياء بحب وتأمل ورفق، يحب البشر والشجر والحيوانات كافة، قبل أن تتم برمجته على الخوف والاحتياط والحذر، ويعمد بعض الآباء على أن تتم تربية أطفالهم بصحبة حيوان في مثل عمره، واتصاله بالطبيعة يبدأ بباعث الرغبة والفضول والدهشة وهذه عناصر تدعم التحدي لدى الإنسان وتحثه على مواصلة الاكتشاف، ولكن ما أن يكبر فإن الجو البيئي السائد يحد من اتصاله بالطبيعة عبر أمزجة وأذواق الأبوين هذا فضلاً عن حواجز الجدران الأسمنتية المحيطة به، ثم هو حين يلتحق بالمدرسة فإن المناهج التعليمية والأنظمة المدرسية وطرق التعليم الذي يسلكها المعلم قد تؤطر وتحجم توجهه الفطري هذا.
12 - البراءة ونقاوة القلب:- قد يغضب الطفل ويتشاجر مع أنداده حول ملكية لعبة، وقد يتفاقم الشجار مما يضطر إلى تدخل الكبار، ولكن وبدون تردد وفي لمح البصر ينتهي جو الصخب هذا، ويعود الأطفال من جديد لمواصلة اللعب، في جو يسوده الحماسة والبهجة، نفسها كما كان عليه قبل حادثة المشجارة،. فلا يحمل في قلبه بقايا عداوة أو بغضاً، ولا يفسر أو يحلل تصرفات الآخر نحو محامل قائمة على الأفكار السلبية ومشاعر الكراهية والعداوة.
كما أن الطفل لم يبرع عقله بعد في مراقبة وتتبع زلات الخصوم، وحمل أفعالهم على وجه خاطئ، وتحليل أقوالهم، ولم تتلوث نفسه بعد إلى حد الفرح والشماتة بمصابهم، وإحاكة المؤامرات والدسائس ضدهم، وكما قيل: «لا يكره الأطفال بعضهم إنما يتعلمون ذلك».
13 - التنفس الصحي:- الطفل الحديث الولادة يتنفس من جوفه فينتفخ بطنه في حال الشهيق، وهذا هو النوع الصحي والمفضل للتنفس قبل أن يبدأ الطفل بالتعود الخاطئ على الحد الأدنى من ممارسة التنفس الكاذب بتقلص المواضع التي يستفد منه الجسد من جراء عملية التنفس.
14 - الاستعداد للتعلم:- الطفل في سنوات عمره الأولى مزود بكافة أدوات التعلم منها:-
1 - الفضول والشغف:- فالطفل مدفوعاً بفضوله يقضي وقتاً في اكتشاف كل ما يبدو له مجهولاً، بدءا بأعضاء جسده، مروراً بكل ما يقع عليه بصره، هذا الفضول هو ما يدفعه إلى استمرار المحاولة، دون أن ينقص من شغفه أو يقلل من متعته.
2 - الخيال:- يتمتع الطفل في سنوات عمره الأولى بخيال يعبر من خلاله إلى عوالم قد يمنعه ضعف بنيته وقدراته من بلوغها، ويعتمد بدرجة كبيرة على خياله في العثور على أسئلة عالقة دون إجابات، باعتبار أنه لا يملك القدرة الكافية على التفريق بين الحلم والواقع، وبين الصدق والادعاء والكذب، وبين الممكن والمستحيل، والخيال يعد المادة الخصبة الأولى للابتكار والإبداع لاحقاً.
3 - عدم اليأس: - الطفل لا يعرف لغات الإحباط واليأس، فحين يجرب خطواته الأولى لا يستسلم مع تعدد مرات تعثره وسقوطه، وقس على ذلك.
4 - الشجاعة:- الطفل مالم ينقل له والداه شعورهم بالخوف عليه، هو مقدام يكرر المجازفات ولو ترتب عليها خروج عن القوانين والأنظمة.
5-6 - الملاحظة الهادفة والتقليد المبكر:- الطفل يفعل كافة حواسه، وهو قوي الملاحظة دائم التلفت، ودقيق المتابعة، يتعرف سريعا،ً ويألف بصورة مبكرة الأشخاص والكائنات وكل الأشياء من حوله.
لا يقتصر على الاعتماد على حواسه كحاسة البصر مثلاً، بل يفضل استخدام يديه في القيام بكثير من المهام، كالتهام الطعام بنفسه رغبة منه في اختبار طبيعة ملمس الطعام وكل الأشياء من حوله، والمراقبة والتقليد هما أول دليل تعليمي يعتمد عليه الطفل في القيام بنشاطاته الأولى في الحياة.
7 - طرح الأسئلة:- قد تبدو أسئلة الطفل، حين يبدأ بالتعبير وتعلم الكلمات، ساذجة وبدهية بالنسبة لنا معشر الكبار وفي الوقت نفسه فإن أسئلتهم في الغالب تعيدنا إلى اليسر والبساطة والعفوية وهي أصول وقواعد كل شيء جربناه وعركناه وألفناه، وهذا سر الدهشة والحيرة التي نقع فيها حين نستمع لأسئلتهم الملحة. والمعروف أن الطفل لا يقيم أسئلته تقييما ضعيفاً من شأنه أن تجعله يتردد فيما بعد في طرحها، وهو يتنظر بثقة، من عالم الكبار الإجابة بالنظر إلى أنهم يملكون كل الإجابات، وحين يتوقف الطفل عن طرح الأسئلة فهو لكونه يشعر أن ذلك كان مصدراً لإزعاج الآخرين وليس لضعف في تقييم محتوى سؤاله!.
8 - القدرة الهائلة على تخزين المعلومات وأرشفتها ومن ثم بناء السلوك عليها:- لاشك أن عقل الطفل في سنوات عمره الأولى، هو الملف الأرشيفي الأول الذي بناءاً عليه يمكننا التنبؤ بمستقبل الطفل، فمن خلال المعلومات والمعارف والمشاعر الصادرة من ردود الأفعال من الوالدين وشركاء التربية، يبدأ الطفل ببناء شبكة عريضة، وقاعدة متينة، من المفاهيم والأفكار والمشاعر التي تعد المرجع الرئيس لكافة ممارساته وطرق تعاطيه مع تجارب الحياة المستقبلية.
** **
- هدى مستور
@3laAlhuda