د. محمد عبدالله الخازم
كتبت حول تعليم العلوم والعلوم الإنسانية، وكيف أن هناك توجهَيْن في مجال توظيف مخرجاتها. الأول يتمثل في توسيع مجالات عمل خريجيها عبر انخراطهم في أعمال تتطلب مهارات مختلفة، وتفيدها العلوم الإنسانية كخلفية معرفية لممارسها. والثاني يتمثل في اعتبارها تأسيساً معرفياً أولياً، يليه التخصص في مجال مهني، من تعليم المهن. بعيداً عن نقد طريقة تدريس العلوم الإنسانية الذي يفتقد مهارات التفكير والبحث والمطالبة بالتخلص من الطريقة السائدة المتمثلة في الحفظ والتكرار، هنا بعض أفكار تتعلق بهيكلة تدريس العلوم الأساسية والعلوم الإنسانية.
نحن نضم جملة من التخصصات تحت مسمى العلوم الإنسانية، ونحاول تعليمها بطريقة متشابهة. آن الأوان لتطوير المفهوم في كثير من التخصصات والتفرقة بين التخصص المهني والتخصص المعرفي. التخصصات المهنية كالتدريس والقانون والإعلام يجب تعليمها كمهن ذات مهارات ومخرجات محددة وليس تخصصات معرفية كالآداب والشريعة وعلم النفس العام وغيرها.
يجب إعادة النظر في الدخول للتخصصات المهنية لتصبح بعد المرحلة الجامعية الأساسية - علوم أو علوم إنسانية - وليس بعد المرحلة الثانوية مباشرة. هناك توجه عالمي تقوده كندا في عدم القبول في الطب والتخصصات الصحية والقانون والتربية والإعلام وغيرها بعد الثانوية مباشرة، وإنما تقبل من لديه درجة جامعية سابقة عامة. أرى الأخذ بهذا التوجه الذي يصنف التعليم الجامعي إلى تعليم جامعي أساسي معرفي، يتمثل في العلوم الإنسانية والعلوم العامة، وتعليم جامعي مهني (من تعليم المهن)، يأتي لاحقاً بعد التعليم الجامعي الأساسي.
نحتاج تقديم مواد علمية ولو بشكل مبادئ ومبسط، وكذلك تقديم اللغة الإنجليزية لجميع دارسي العلوم الإنسانية بالجامعات والثانويات. في الجامعات الغربية يمكن قبول خريج العلوم الإنسانية لدراسة الاقتصاد وبعض التخصصات الصحية باعتبار لديه خلفية علمية ولو كانت أساسيات في مجال العلوم والرياضيات. أما نحن فخنقنا قدرة الشاب على اختيار تخصص مختلف، وبالذات مع فكرة أدبي وعلمي التي يفترض تجاوزها أو تطويرها، وتحتاج نقاشها مستقبلاً!
للمساهمة في توظيف خريجي تخصصات العلوم الإنسانية في الوقت الراهن، تبرز فكرة، نرى بعض الشباب ينهجها، تتمثل في إدخال مهارات تطبيقية تخدم خريج العلوم الإنسانية للعمل في مجالات يحتاجها سوق العمل؛ كمهارات التواصل والكتابة والحاسب الآلي واللغة وغيرها. ربما تكون ما بعد المرحلة الجامعية أو حتى بالاتصال معها. حينها سيجد رب العمل أنه من الأفضل توظيف خريج علم النفس أو الاجتماع في إدارة العملاء؛ لأنه ذو خلفية علمية تساعده في فهم العملاء، وفي الوقت نفسه لديه المهارات الناعمة الأساسية المطلوبة للعمل.
الخلاصة؛ نحتاج أن نعيد نظرتنا للعلوم الإنسانية والعلوم في كونها تخصصات معرفية عامة، ونفصلها عن التخصصات المهنية التي تقود إلى مهن واضحة المعالم وتدرس في مرحلة لاحقة. نحن نستطيع إصلاح الآلة ومعالجة المريض من المرض العضوي، لكننا لن نرتقي الأمم ونحن لا نستطيع فهم الحضارة وتنمية الفكر وخلق الثقافة وتطوير القيم وفهم الأبعاد الاجتماعية والإنسانية والنفسية وصيانة اللغة والشريعة وفهم معارف العلوم الأساسية وغير ذلك من الأمور ذات العلاقة. لنفعل ذلك نحتاج الفصل بين المعرفي العام والمهني/ التطبيقي المتخصص وتطوير كلاهما.