عمر إبراهيم الرشيد
يعد القطاع البلدي من أكثر القطاعات الخدمية أعباءً وتحديات في مدينة متوسطة الحجم، فكيف يكون الوضع في رابع أسرع مدن العالم نمواً كالرياض!، وبعدد سكانها المتزايد كل عام حتى بلغ اليوم ما ينوف عن السبعة ملايين نسمة. ليس هذا فحسب، بل إني أذكر إحصائية بيئية تقول بأن حجم الغبار على الرياض يبلغ سنوياً ما معدله ثلاثون ألف طن!. تحديات بهذا الحجم إلى جانب تنامي الطلب على الخدمات الصحية والتعليمية والعمرانية وغيرها، يستلزم تطوير النظم وطرق العمل التقليدية وابتكار الحلول خارج الصندوق كما يقول التعبير الإداري. كتاب (الإدارة المحلية والقطاع البلدي، التحديات والفرص الضائعة) للأمير الدكتور عبدالعزيز بن محمد بن عياف أمين منطقة الرياض سابقاً، هو رصد لرحلة بدأت من أروقة الجامعة والبحث الأكاديمي في التخطيط العمراني، في المملكة والولايات المتحدة، ثم خوض غمار العمل الإداري كأمين لمنطقة الرياض، باستشراف المدرسة الإدارية لأمير الرياض سابقاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله. وقطعاً فإن صاحب هذا السجل الثقيل ليس بحاجة إلى شهادتي، إنما الإنصاف حق للرجال على الرجال، وأحسب أن هذا الكتاب يحتاجه المهندس والإداري كما يفيد منه الباحث في هذا المجال، إلى جانب من يروم الاطلاع وقراءة الرياض كنموذج لأي مدينة سعودية بفرصها ومواردها ومتطلباتها التنموية والحياتية. وليس حديثي هنا مجرد إنشاء أو مديح، فعلى سبيل المثال يذكر الأمير في بداية كتابه كيف كانت الصورة السلبية مترسخة عن الخدمات البلدية ومنسوبيها في أذهان الجمهور، وهي نتاج سنوات طويلة متراكمة من البيرقراطية ما بين الأمانة ووزارة البلديات والمالية، ولا يمكن تحميل الأمانة كل ما يحدث من تقصير أو خلل بل حتى من فساد. وهو ما شرع مع فريق العمل في الأمانة على تغيير تلك الصورة السلبية حتى في أذهان بعض العاملين وموظفي الأمانة واعتماد آليات عمل جديدة، إلى جانب استثمار الفرص المهدرة والعقارات والإعلانات والدخول في شراكات مع القطاع الخاص، فكان أن تضاعفت مداخيل الأمانة ما مكنها من تطوير وزيادة خدماتها كماً ونوعاً.
ولا ينكر إلا جاهل أو جاحد، ما شهدته وتشهده العاصمة من تطوير متعاظم سواء في طرقها وميادينها، في خدماتها البلدية كافة، أو في أنماط العيش والحياة والترفيه وغيرها من أوجه النشاط البشري العام. ومع ذلك فما زالت هناك تحديات ومطالب واحتياجات مع كل هذه النقلة العظيمة. اللا مركزية، هذا المصطلح الإداري احتل قسماً جيداً من الكتاب، وتمثل في منح فروع البلديات في العاصمة مزيداً من الصلاحيات وأساليب العمل بما يتناسب مع النطاق والموارد. ثم في مشروع مراكز الخدمات الإدارية الحكومية، تخفيفاً وتيسيراً على سكانها من مغبة التنقل والزحام المروري ومن ثم الضغط الحياتي، إضافة إلى مشاريع الساحات البلدية والحدائق لتعزيز جودة الحياة والتشجيع على التريض.
لا أزعم أن بمقدوري وفي مساحة صغيرة كهذه إيفاء هذا الكتاب الرصين حقه من العرض، إنما حسبي القول إنه مرجع للباحثين والعاملين في القطاعين الحكومي والخاص، وما ذكرته إنما هي أمثلة على نهج مؤلفه البعيد عن التنظير الأكاديمي، وبأسلوب سلس يشتمل على أمثلة من واقع المدينة وواقع العمل البلدي وتحدياته، ولذلك فالكتاب يفيد منه حتى غير المتخصص، وهو إضافة إلى المكتبة العربية حقيقة. ولا بد هنا من الإشارة إلى أن الكتاب لا يستعرض الإنجازات ويترك التحديات التي تم التعامل مع بعضها وبقي البعض منها، إلى جانب الإحصائيات والأرقام بعيداً عن لغة العاطفة. وإن ترجل صاحبه عن صهوة هذا العمل تحديداً، فإنه تسنم مهام أخرى في ميادين العمل الحكومي وبرامج الرؤية وميادينها المليئة بالتحديات والفرص. من لا يشكر الناس لا يشكر الله، وقلما يتذكر الناس المحاسن، إنما تبقى الإنجازات والميادين والمشاريع شواهد شكر يجزي بها الله تعالى، وشكراً للأمير نبل إهدائه كتابه الرصين هذا، وإلى اللقاء.