عبدالعزيز السماري
من أهم عثرات التطور الإداري في العالم الثالث هو ذلك الخلط العجيب بين الإدارة والأيديولوجيا، ويعني ذلك أن تكون رؤية الإدارة للكفاءة من خلال الأيديولوجيا، والافتراض الأساسي للأيديولوجيا هو أنا الوجود، وهي نظرة شمولية يقينية للأشياء من حوله، ويتم استخدامها ربما بشكل عفوي أو مقصود لتقييم من حوله..
كان لها عظيم الأثر في دفع البشر والكفاءات إلى الهجرة من دول العالم الثالث إلى الغرب، فعضوية الحزب في بعض دول العسكرتاريا كانت تدخل ضمن معايير الكفاءة، وهو ما أدى إلى طرد العباقرة والعلماء للبحث في أماكن عمل أقل تحيزاً وأكثر انتصاراً لقيم العمل والإنجاز، ولا يعني أن دول الغرب خالية تماماً من التحيز لكنها بالتأكيد أقل بكثير، وهو ما يفسر نيل بعض المهاجرين العرب لجائزة نوبل.
تؤثر هذه الأيديولوجيات على أنماط صنع القرار للأفراد، ففي ظروف مختلفة قد يستخدم الناس أساليب متعددة بسبب أيديولوجياتهم المعقدة، لذلك تؤثر الأيديولوجيات البشرية أيضًا على خطوات أو عملية صنع القرار، لأن الأيديولوجيات المختلفة تفسر اختيار المتطلبات والتحليل، وتطوير واختيار البدائل، وتنفيذ القرار والتقييم ، وهي حالة معقدة في سيكولوجية الإنسان، وتؤثر فيها التربية والتعليم والخلفية الأيديولوجية في المجتمع.
تظهر الصورة في حالة التغيير التي قد تحدث عندما يعتقد الإداري أن الثقة والكفاءة لها علاقة بالأيدولجيا، وهي حالة أشد من العلاقات الأخرى كالقبيلة والإقليمية، لما تحمل من ميل سياسي سواء لحزب ما أو لجماعة، وتنتشر هذه الظاهرة في دول العالم الثالث لغياب القانون الذي يجرم هذه العلاقة.
يسمي العلماء هذه الظاهرة بالاستقطاب العاطفي، وهي حالة تختفي فيها المصلحة الوطنية العليا، وتتقدم عليها مصالح الفئات، وبالتالي تتأثر الموضوعية، وتتراجع الكفاءة، وعادة يمكن رؤية الصورة من خلال نظرة واسعة لمختلف القرارات، وقد تصعب مكافحتها عندما لا تكون غير ملاحظة، لكنها تستحق الاهتمام والمراقبة إذا تجاوزت الكمون لأن تكون واضحة للجميع، ولدرجة التأثير على سير العمل.
عندما تهيمن الأيديولوجيا على الإدارة تتأثر الإنتاجية، ويصبح هم إرضاء الأيديولوجية مقدمًا على التفوق والإبداع، والإنسان ربما بطبعه كائن مؤدلج في أغلب الإحيان، لكن الإشكالية تكمن في وعيه، وفي كيفية تجاوزها عندما يكون الأمر إدارة كيان منتج، سواء كان اقتصاديًا أو غيره.
قد تفسر هذه الظاهرة النجاح الاقتصادي والتنموي في دول الخليج، وسقوط هذه المعايير في دول الشمال العربي، والتي كانت ولا زالت الأيديولوجيا جزءًا أساسيًا من العمل الإداري، فالإدارة في دول الخليج العربي تقوم على خدمة الوطن من خلال نظرة أكثر موضوعية من دول العسكر والأطروحات القومية والأممية، والتي تفسد العقل وتجعل منه كائناً غير فعال إلا في خدمة الأيديولوجيا أو تلك الجماعة.
لذلك يجب أن تحرص هذه الدول على هذا النهج الذي يجعل من الوطن كيانًا تجتمع فيه مختلف الأطياف، ويُنظر فيه للجميع من خلال الموضوعية والكفاءة، وأن لا يُمارس الإقصاء من أجل الهيمنة وخدمة المصالح الفئوية والأفكار المعادية لهذه الأوطان، والله الموفق.