أضافت دارة الملك عبد العزيز، صاحبة التجربة العريضة في إنشاء الموسوعات العلمية، موسوعة جديدة إلى قائمة إصداراتها، وهذه المرة موسوعة شفهية، تتعلق بالتراث والتطبب الشعبي، وذلك بتدشينها مؤخرًا موسوعة عن الأدب الشعبي والطب الشعبي في منطقة الباحة وسط احتفاء رسمي وعلمي بظهور هذا الإصدار في ثلاثة أجزاء الذي سيحفظ جزءًا من تاريخ المنطقة وتراثها وفلكلورها، وأعلام المنطقة، والأمثال والحكم المستعملة بين الناس، والأشعار، والقصص الشعبية المتوارثة، وبدايات مهنة الطب قبل اكتشاف البترول، وما سبق هذه المرحلة من الطب الشعبي ونباتاته المستخدمة وطرق المعالجة للأمراض آنذاك.
واعتمدت الموسوعة في مادتها على إجراء المقابلات النوعية، وتحرير الذاكرة الشعبية لأبناء المنطقة وبناتها من الرواة، وكبار السن، وشاهدي العيان، والمهتمين، وحفّاظ التراث وهواته من أصحاب المتاحف وغيرهم؛ ما جعلها أول موسوعة خاصة لمنطقة من مناطق المملكة العربية السعودية.
ويُعد الإصدار تعاونًا بناء بين الدارة وجمعية الثقافة والفنون بالباحة التي عملت على تسجيل مادة الكتاب ميدانيًّا، ونسقت وأجرت المقابلات في مدن وقرى ومراكز المنطقة (البحة، المندق، بلجرشي والمضني)، وفرّفتها في مواد تحريرية ومقاطع إلكترونية.
يتحدث مدير المشروع الدكتور علي بن خميس البيضاني ضمن تقديمه للكتاب: انطلق المشروع بإعداد استديو متكامل وتجهيزه. وبدأ المسح الميداني، وتوزيع القطاعات. وتحول مقر جمعية الثقافة والفنون إلى خلية نحل، ومضت أربعة أعوام، وإذا نحن أمام مشروع عملاق، يضاهي مشاريع مؤسسات كبرى، وإذا بين أيدينا سفر تراث مَن طبعوا بصمتهم الإيجابية على قمم جبال منطقة الباحة وسفوحها وسهولها ووديانها.
من جانبها قامت دارة الملك عبد العزيز بدورها في مراجعة الكتاب وتحكيمه، وطبعه، ونشره.. وقالت في مسوغات ضم الموسوعة ضمن مصادر التاريخ الوطني لديها: «هذا العمل التوثيقي يعكس اهتمام أبناء الوطن بحفظ تراث المناطق والمحافظات، ويعبّر أيما تعبير عن المسؤولية التاريخية للمثقف والباحث خاصة، والمؤسسة الثقافية عامة، تجاه المجتمع وتراثه بتوثيقه قبل الاندثار والنسيان. وسيخدم حركة البحث العلمي حول التراث السعودي عامة، والمنطقة الجنوبية خاصة».
الكتاب ضم مقابلات مع (82) ضيفًا وضيفة من الجنسين، منهم (21) ممن عملوا في العلاج الشعبي، بينهم (أربع طبيبات شعبيات)، واعتمد المنهج العلمي في إجراء المقابلات الشفهية الموجّهة، بتوثيق تاريخ التسجيل واسم الضيف كاملاً وعمره، واسم المذيع، وملخص نتائج المقابلة، وتحرير التسجيلات. كما وردت من الضيوف ما يعد توثيقًا للهجة المحكية في الباحة (أحد محاضن التنوع التراثي).
وتطرقت الموسوعة القابلة للتزويد إلى مجالات عدة ضمن الحياة الاجتماعية في المنطقة، كما وثقت اللهجة العامية المحكية لدى سكانها، ومن ذلك ما قاله الشيخ عايض بن محمد بن هلال الرفاعي الغامدي بلهجته الدارجة حين حديثه عن أنواع البنادق: «الأسلحة القديمة منوعة، منها المقمع، ولها أكثر من ميتين سنة، والمسورق بين المخومس والمروبع من أنواع المقمع، وهي من أطيب الأنواع، ولها أكثر من الميتين سنة، وهي والمقاتيل أول ما ورد، هم بعدها المقتل، هم الهندية، هم الصمع، هم البندق وهذا جاء في الوقت الحاضر، والمقمع استخدمته ورميت به، واستخدمه عرب قبلي وبعدي». وفي لقاء آخر تقول الطبيبة الشعبية صالحة بنت حمد الهجهاجي الغامدي عن مرض الشوكة لدى الأطفال: «معروف عندنا باسم الشوكية، وفيه ناس يسمونه أم زوير، وأهل نجد يسمونه أم صفيط. أما أعراضه فهي تطريش (استفراغ). وإنها ما تخلي الواحد يأكل كان تسبير (كبير) أو كان صغير. تجي حتى في الكبار لحد 13 سنة ولا تخلي الواحد يأكل، يكره الأكل، والطفل ما يرضع وبعضهم متوالدة تجيء من يوم يطلع من بطن أمه، وهذي لها كيتين، وفيه ناس بكوي لاحد سبع، أكوي على نفس العروق أقصها عليها (أتعقب أثرها)، وأكويها وهي تجي في الصدر).
وعن العيد يقول العم صالح بن عبد الله آل عيضة الغامدي: «كان أول يشبون (يوقدون النار) في بيضان، ويشوفونها أهل عراء، وأهل عراء مرتفعين، ويشبون زيهم (مثلهم)، ويشوفونها أهل بني كبير، وبلجرشي، وكان ناس يسوون (يفعلون) زيهم، ويكون العيد معلوم لديهم بهذه الطريقة».
وعدّدت الموسوعة القابلة للزيادة في المستقبل أكثر من ثلاثين اسمًا لنباتات موجودة في المنطقة، وأسماءها الشعبية، وأوصافها الشكلية، ومميزات استخداماتها في الطب والزينة.