الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
يُعَدُّ الوقف مفخرة من مفاخر الإسلام، ومعلماً من معالم الشريعة الإسلامية، وعُرفت الأوقاف منذ عهد النبوة وعبر العصور الإسلامية نمواً وتنوعاً واتساعاً، وقد أصاب الوقف حالة من التردي والضعف في بعض المجتمعات الإسلامية، وأصبحت الحاجة ملحة لتفعيل دوره ليصبح متنامياً خصوصاً بعد تطور القطاع الخيري في إمكانياته وأساليبه وأدواته.
«الجزيرة» التقت عدداً من المتخصصين في العلوم الشرعية، والمهتمين بقطاع الأوقاف ليتحدثوا عن كيفية النهوض برسالة الوقف في المجتمعات الإسلامية.
المدارات المهمة
بداية تؤكد الدكتورة سارة بنت ملتع القحطاني أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الكويت، أنه لابد من استثمار ذلك في سبيل النهوض برسالة الوقف في المجتمعات الإسلامية، ولتحقيق ذلك هناك مدارات عدة يجب العمل عليها أهمها:
- المدار الاجتهادي: تتمثل حاجته لتطوير الوقف إلى إعادة النظر الفقهي في بعض مسائل الوقف الخلافية واستثمار الاتجاه الفقهي الخادم لرسالة الوقف ومقاصده وفق معطيات العصر.
- المدار التنظيمي والقانوني: وتتمثل حاجة الوقف للتطوير في هذا المدار إلى:
1 - التحرر من البيروقراطية في إدارة الوقف من جهة وتطوير القوانين الخادمة لمقاصد الوقف والواقفين.
2 - تأطير أصول حوكمة الوقف وفق معايير الشفافية التي تسهم في جودة أداء الأوقاف لمقاصدها وحفظ الأصول الوقفية.
3 - تشريع حزمة من القوانين المحفزة لتوسع القطاع الوقفي بمنح تسهيلات أو إعفاءات للواقفين أو المتبرعين من جهة وللعاملين في هذا القطاع من جهة أخرى.
- المدار الإداري: وتتمثل حاجة الوقف للتطوير وفق هذا المدار إلى تأهيل الكوادر البشرية العاملة في مجال الوقف بمختلف مجالاته، واستقطاب أصحاب الخبرة في تقييم الإدارات الوقفية من جهة وتوجيه القطاع الوقفي حسب حاجة المجتمعات.
أما المدار الابتكاري فيكمن في توظيف التقنية التكنلوجية في تطوير صيغ الوقف وأدواته، واستحداث مؤسسات وقفية غير نمطية تجمع في عملها بين خدمة القطاع الخيري والتمويل الإسلامي للمشاريع المنتجة وتوظيف أربحاها لسد حاجة الفقراء أو تمويل مشاريعهم الخاصة، وتأسيس جهة تتولى استشراف مستقبل الأوقاف وتحديد احتياجات هذا القطاع وترسم مستقبله من خلال تحديد مشاكله من جهة ومن خلال توجيه الواقفين إلى أهم الميادين التي تخدم المجتمع وفق مقاصدهم من جهة أخرى.
ولا شك أن مثل هذه الرسالة يشترك في مسؤولية حملها وتحقيقها مؤسسات القطاع العام والخاص والمهتمون والخبراء.
رسالة دنيوية وأخروية
ويقول الدكتور عبدالعزيز بن عبدالرحمن التويجري أستاذ الإدارة والتخطيط التربوي بجامعة الملك سعود، والمجمعة؛ نائب رئيس مجلس إدارة جمعية أبقى للخدمات والاستشارات الوقفية، والرئيس التنفيذي لمؤسسة ساعي لتطوير الأوقاف: إذا سلمنا بمشروعية الوقف؛ وأعني بمشروعيته أنه مما حث الشرع عليه ودعا إليه؛ أدركنا أن له رسالة دنيوية وأخرى أخروية ينبغي لكل عاقل ألا يفرط فيهما.
فأما رسالته الدنيوية فإعمار الكون، والمساهمة في دورة حياته الطبيعية، ودفع عجلة الإنتاج والاستهلاك؛ حتى يتيسر لكل بشر الإفادة من خيرات الوقف؛ إما واقفًا له، أو عاملاً فيه، أو مستفيدًا منه.
وأما رسالته الأخروية؛ فإنه باب أجر لا ينقطع؛ حيث يحبَّس أصلُه وتسبَّل منفعته؛ فيجري أخره لصاحبه، ولمن قام عليه من نظار وأوصياء، ولمن يسر أمره أو شارك فيه بجهده من صاحب سلطة أو مسؤول عن خدمة.
والكل مسؤول عن النهوض بالوقف؛ وتفعيل دوره، ونشر ثقافته؛ وبخاصة المؤسسات العلمية والتعليمية والإعلامية والتوجيهية؛ فالأستاذ في جامعته، والمعلم في مدرسته، والخطيب في منبره، والإعلامي في منصته؛ كلهم مسؤول عن النهضة بهذه الرسالة وإحيائها في الأمة؛ لتتحقق مقاصدها الخيرة.
الأرض الخصبة
ويرى الدكتور فهد بن مهنا الأحمدي رئيس قسم الدراسات القضائية بالجامعة الإسلامية، أنه لا يمكن لرسالة الوقف أن تنمو وتنهض دون أن ترتكز على أرض خصبة من التشريعات والقوانين التي تحمي حقوق الواقفين وتسهم في تحقيق أعلى درجات الشفافية والاستدامة من خلال تطبيق مفهوم الحوكمة في الإجراءات الوقفية كافة.
منتدى وطني
ويشير المهندس ربيعان بن فاهد الشهراني، مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، والمهتم بالقطاع الوقفي أن دعم رؤية المملكة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال إجراء تقييم شامل لدورة المشاريع الوقفية القائمة، والاستفادة من خبرات برامج تحقيق الرؤية ومكاتب إدارة المشاريع في دعم إدارة وتنفيذ المشاريع الوقفية، وابتكار حلول جديدة في مرحلة تطوير المشاريع تضمن استدامة حياة الأوقاف، وكذلك تأسيس منتدى وطني لتبادل المعارف والخبرات المتعلقة بالمشاريع الوقفية ومشاركة الدروس المستفادة والممارسات المثلى.