أ.د.عثمان بن صالح العامر
اطلعت مثل غيري على البيان الذي أصدرته المؤسسة العامة للتقاعد رداً على ما جاء في إحدى فقرات برنامج (اسأل - السعودية) الفضائي من مغالطة وإساءة لشريحة المتقاعدين الذين خدموا الوطن ردحاً من الزمن بكل تفان وإخلاص، حيث صورهم السؤال بخياراته الأربع بصورة نمطية ساخرة ومسيئة لا تعكس عموم الواقع ولا الدور الإيجابي الذي يضطلع به السعودي المتقاعد، ومع التأييد الكامل لما جاء في هذا البيان، والشكر الجزيل للمؤسسة على خطابها السديد وقولها الرشيد، ومن منطلق المشاركة في تعزيز المبادرات التي أشار إلى شيء منها البيان المشار إليه أعلاه، ولثقتي بحرص المؤسسة على مواكبة رؤية المملكة 2030 الساعية لرسم ملامح مستقبل أفضل لجميع فئات المجتمع وشرائحه المختلفة وفي جميع مناطق وطننا الحبيب، إضافة إلى مشاركتها الفعلية في برامج تحقيق جودة الحياة المختلفة، فإنني ومن منطلق وطني صرف أعتقد أن من المشاكل الاجتماعية الشاملة والعامة في جميع مناطق المملكة بلا استثناء والتي تحتاج إلى التفاتة صادقة ونظرة فاحصة من قبل المؤسسة والجمعية على حد سواء (مشكلة الفراغ) الذي ينعم به هؤلاء المتقاعدون، خاصة الذين ما زالوا في كامل قواهم الجسدية والذهنية، إذ إنهم يجدون صعوبة كبيرة في المحافظة على وضعهم النفسي والصحي، وملء وقتهم في النافع المفيد جراء عدم التوظيف الأمثل لهم والاستفادة من خبراتهم وتخصصاتهم خاصة من قبل مؤسسات القطاع الأهلي والخاص بل وحتى الحكومي كمستشارين غير متفرغين، فضلاً عن غياب المراكز المخصصة لهم والرعاية الاجتماعية المناسبة لأعمارهم، والمشكلة تتزايد وتتفاقم ككرة الثلج المتدحرجة من قمة الجبل للقاع نظير ازدياد عدد المتقاعدين كل عام، وهي لدى الذكور والإناث على حد سواء، وإن كانت لدى الرجال أكثر وضوحاً وظهوراً على الأقل في نظري، ولعل من التجارب الرائدة والرائعة في هذا المجال (مركز الملك سلمان الاجتماعي) في الرياض الذي وإن كان يستقبل الكل شباباً وشيوخاً، رجالاً ونساءً منذ افتتاحه في شهر رمضان المبارك عام 1417هـ وحتى اليوم، فإن الأكثرية هم المتقاعدون الذين وجدوا فيه بغيتهم وأنسهم، يشتركون فيه ليمارسوا الرياضة ويحصلوا على المتابعة والرعاية الصحية، ويقرؤون ويطلعون ويتحاورون ويتناقشون في الشأن الثقافي والاقتصادي والاجتماعي ويستفيد بعضهم من تجارب بعض.
إننا في مرحلة تحتاج إلى أن تفكر (الجمعية الوطنية للمتقاعدين بالتعاون مع المؤسسة العامة للتقاعد) في دراسة التجربة ومن ثم تعميمها باستنساخها أو التعديل فيها حسب ظروف كل منطقة من مناطق المملكة، ومتى شرفت هذه المراكز بحمل اسم مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أو سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد الأمين فسوف تكون بإذن الله ملتقاً يومياً لهذه الفئة التي تعاني حقيقة من البطالة ذات الأثر السلبي صحياً وذهنياً واجتماعياً، إذ في رحم الفراغ تتولد كثير من الأمراض التي لا تخفى لدى الكبار كما هو الحال عند الصغار، علاوة على أن هذه المراكز يمكن أن تكون مكاناً لانعقاد الدورات التدريبية في استخدام التقنية مثلاً، أو إجادة مهارة التخطيط الإستراتيجي للمشاريع الاقتصادية المستقبلية، وفِي ذات الوقت مقراً لتنمية روح المشاركة في البرامج التطوعية التي تصب في خانة خدمة المجتمعات المحلية، ويمكن أن يحصل المشاركون ممن بلغوا الستين على خصومات خاصة في المستشفيات وخطوط الطيران والمنتجعات والمولات من خلال تنسيق العلاقات العامة في المركز مع هذه الجهات وغيرها كثير.
إن وجود مثل هذا المركز المتميز سيرفع الحرج عن كبار المسؤولين والمتقاعدين الراغبين في ممارسة الرياضة بأشكالها المختلفة وصورها المتنوعة، ولا يجدون أمامهم إلا الأندية الرياضية الرسمية المعروفة أو (مراكز جيم للتخسيس) الخاصة فيحجمون خوفاً من الحرج الاجتماعي. ولذا فالأمل معقودٌ على المؤسسة والجمعية ورجال الأعمال والمخطط الاستراتيجي أن تتكاتف الجهود ليتحقق وجود ما يتطلع له وينتظره شريحة عريضة من هذه الفئة، سواء أكانوا معلمين أم موظفين، مدنيين أو عسكريين. دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود والسلام.