رجاء العتيبي
مازال المسرح تتجاذبه حقول معرفية متنوعة، ولم يصل به هذه التجاذب إلى نهاية بعد، هناك من يعد المسرح فناً بوصفه محاكاة، ذلك أن الفن محاكاة للطبيعة، وهناك من يعده جنساً أدبياً بوصفه نصاً سردياً مثله مثل الرواية والقصة، وآخرون يعدونه نوعاً من الأداء فيلحقونه ضمن فنون الأداء مثله مثل الرقص والأوبرا والفنون الشعبية الأدائية، وفئة أخرى يضمونه لقسم الإعلام مسار فنون الاتصال الجماهيري.
فهل المسرح كل ذلك؟ أم أنه شيء واحد والبقية متطفلون عليه، أم أن الأمر يدخل في الدراسات (البينية) التي تذيب الحدود بين الفنون وتجعلها متداخلة بين بعضها البعض، أم أن الأمر خلط مفاهيمي وتشابك مصطلحات لدى المهتمين ما يجعل المسرح بلا هوية واضحة.
السؤال لماذا نختلف باستمرار حول تداخل المسرح مع بعض التخصصات، من دون أن نتفرغ لأبحاث علمية تعطينا الإجابة الوافية؟ هل لأن النقاش سهل؟ والعمل صعب؟ لا أعلم ولكن تكرار النقاش يظل مشكلة مستمرة ولا نتائج تلوح في الأفق.
والإجابة على سؤال: إلى أي حقل ينتمي المسرح؟ وباعتبار أهميته وتاريخه العريق لا ينبغي أن تكون الإجابة عبر وجهات نظر فردية أو مقال أو نقاشات أو مؤتمرات، إنما تكون عبر إجابة (استراتيجية) تعتمدها المؤسسات المعنية به على المستوى العربي، حتى تتضح صورته على خشبة المسرح وعند الجمهور وفي أقسام الجامعات والأكاديميات والمعاهد، حتى يتفرغ الجميع لدراسته حسب المنهجية المتفق عليها، ويتفرغون من جهة أخرى للعمل والإنجاز.
أما لو أن المسرح بذلك الشمول والعمق والقوة ويتقاطع (حدودياً) و(بينياً) مع تخصصات أخرى، بحيث يمكن تقسيمه على حقول معرفية متعددة، فلا بأس، يمكن له ذلك، (فن وأدب وأداء واتصال) ونشتغل على هذا الأساس، المهم أن نتفق وفقاً لنظرة استراتيجية، لأن سؤال: إلى أي حقل ينتمي المسرح؟ سؤال مربك على الأقل - آنياً - لأن الإجابة العملية لم تبدأ بعد، مازال يخضع لوجهات نظر، كلٌ ينطلق من تجربته ومعرفته وخبرته. وهو سؤال بات أكثر حضوراً اليوم منه في سنوات سابقة.
نتطلع أن يحظى هذا السؤال بدراسات علمية تقودها الجامعات ومراكز البحوث المتخصصة وتتيح الفرصة للباحثين أن يقولوا شيئاً بهذا الشأن، حتى لا يضيع الوقت في وجهات نظر متباينة، وحتى نقدم إجابة وافية لمن يسأل هذا السؤال.
ربما يرى آخرون أن النقاش بحد ذاته ظاهرة صحية، تنتج مع الزمن إجابات قد لا تخطر على بالنا اليوم، قد يكون الأمر كذلك فعلاً، وهنا نكون أمام فئة ثالثة.